للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِيَالَتَهُمْ، وَكَانُوا قَدِ اسْتَبَدُّوا بِالْأُمُورِ دُونَهُ، وَعَاثُوا فِي نَوَاحِي نَيْسَابُورَ، فَتَوَاتَرَتْ كُتُبُهُ إِلَى الْأَمِيرِ نُوحٍ بِالِاسْتِعْفَاءِ مِنْ وَلَايَتِهِمْ، وَيَطْلُبُ أَنْ يُقْتَصَرَ بِهِ عَلَى هَرَاةَ، وَيُوَلِّيَ مَا بِيَدِهِ مَنْ أَرَادَ نُوحٌ، فَكَانَ نُوحٌ يُرْسِلُ إِلَى أَبِي عَلِيٍّ يَعِدُهُ بِإِعَادَتِهِ إِلَى مَرْتَبَتِهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ مَنْصُورٌ، أَرْسَلَ الْأَمِيرُ نُوحٌ إِلَى أَبِي عَلِيٍّ الْخِلَعَ وَاللِّوَاءَ، وَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى نَيْسَابُورَ، وَأَقْطَعَهُ الرَّيَّ وَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهَا، فَسَارَ عَنِ الصَّغَانِيَانِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَاسْتَخْلَفَ مَكَانَهُ ابْنَهُ أَبَا مَنْصُورٍ، وَوَصَلَ إِلَى مَرْوَ وَأَقَامَ بِهَا إِلَى أَنْ أَصْبَحَ أَمْرُ خُوَارِزْمَ، وَكَانَتْ شَاغِرَةً، وَسَارَ إِلَى نَيْسَابُورَ، فَوَرَدَهَا فِي ذِي الْحِجَّةِ فَأَقَامَ بِهَا.

ذِكْرُ الْحَرْبِ بِصِقِلِّيَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالرُّومِ

كَانَ الْمَنْصُورُ الْعَلَوِيُّ صَاحِبَ إِفْرِيقِيَّةَ قَدِ اسْتَعْمَلَ عَلَى صِقِلِّيَةَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْكَلْبِيَّ، فَدَخَلَهَا وَاسْتَقَرَّ بِهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَغَزَا الرُّومَ الَّذِينَ بِهَا عِدَّةَ غَزَوَاتٍ، فَاسْتَمَدُّوا مَلِكَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ فَسَيَّرَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا كَثِيرًا، فَنَزَلُوا أَذْرَنْتَ، فَأَرْسَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى الْمَنْصُورِ يُعَرِّفُهُ الْحَالَ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ جَيْشًا كَثِيفًا مَعَ خَادِمِهِ فَرَحٍ، فَجَمَعَ الْحَسَنَ جُنْدَهُ مَعَ الْوَاصِلِينَ، وَسَارَ إِلَى رِيُّو، وَبَثَّ السَّرَايَا فِي أَرْضِ قِلَّوْرِيَةَ، وَحَاصَرَ الْحَسَنُ جَرَاجَةَ أَشَدَّ حِصَارٍ، فَأَشْرَفَ أَهْلُهَا عَلَى الْهَلَاكِ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَخْذُهَا، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ أَنَّ عَسْكَرَ الرُّومِ وَاصِلٌ إِلَيْهِ، فَهَادَنَ أَهْلَ جَرَاجَةَ عَلَى مَالٍ يُؤَدُّونَهُ، وَسَارَ إِلَى الرُّومِ، فَلَمَّا سَمِعُوا بِقُرْبِهِ مِنْهُمُ، انْهَزَمُوا بِغَيْرِ قِتَالٍ وَتَرَكُوا أَذْرَنْتَ.

وَنَزَلَ الْحَسَنُ عَلَى قَلْعَةِ قِسَانَةَ، وَبَثَّ سَرَايَاهُ تَنْهَبُ، فَصَالَحَهُ أَهْلُ قِسَانَةَ عَلَى مَالٍ، وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ إِلَى شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَكَانَ الْمَصَافُّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَعَسْكَرِ قُسْطَنْطِينِيَّةَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الرُّومِ الَّذِينَ بِصِقِلِّيَةَ لَيْلَةَ الْأَضْحَى، وَاقْتَتَلُوا وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، فَانْهَزَمَ الرُّومُ، وَرَكِبَهُمُ الْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ إِلَى اللَّيْلِ، وَغَنِمُوا جَمِيعَ أَثْقَالِهِمْ، وَسِلَاحِهِمْ، وَدَوَابِّهِمْ، وَسَيَّرَ الرُّءُوسَ إِلَى مَدَائِنِ صِقِلِّيَةَ، وَإِفْرِيقِيَّةَ، وَحَصَرَ الْحَسَنُ جَرَاجَةَ، فَصَالَحُوهُ عَلَى مَالٍ يَحْمِلُونَهُ، وَرَجَعَ عَنْهُمْ، وَسَيَّرَ سَرِيَّةً إِلَى الْمَدِينَةِ بِطَرْقُوقَةَ فَفَتَحُوهَا، وَغَنِمُوا مَا فِيهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>