بِحَلَبَ، فَلَمَّا وَصَلَ خَرَجَ إِلَيْهِ وَلَقِيَهُ، وَبَالَغَ فِي إِكْرَامِهِ، وَخَدَمَهُ بِنَفْسِهِ، حَتَّى إِنَّهُ نَزَعَ خُفَّهُ بِيَدَيْهِ.
وَكَانَ أَصْحَابُ نَاصِرٍ فِي حُصُونِهِ بِبَلَدِ الْمَوْصِلِ، وَالْجَزِيرَةِ، يُغِيرُونَ عَلَى أَصْحَابِ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ بِالْبَلَدِ، فَيَقْتُلُونَ فِيهِمْ، وَيَأْسِرُونَ مِنْهُمْ، وَيَقْطَعُونَ الْمِيرَةَ عَنْهُمْ.
ثُمَّ إِنَّ سَيْفَ الدَّوْلَةِ رَاسَلَ مُعِزَّ الدَّوْلَةِ فِي الصُّلْحِ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ (فِي ذَلِكَ) ، فَامْتَنَعَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ فِي تَضْمِينِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ لِخُلْفِهِ مَعَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَضَمِنَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ الْبِلَادَ مِنْهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَتِسْعِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَإِطْلَاقَ مَنْ أَسَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ بِسِنْجَارَ وَغَيْرِهَا، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] .
وَإِنَّمَا أَجَابَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ إِلَى الصُّلْحِ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنَ الْبِلَادِ ; لِأَنَّهُ ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأَمْوَالُ، وَتَقَاعَدَ النَّاسُ فِي حَمْلِ الْخَرَاجِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُمْ لَا يَصِلُونَ إِلَى غَلَّاتِهِمْ، وَطَلَبُوا الْحِمَايَةَ مِنَ الْعَرَبِ أَصْحَابِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ، فَاضْطُرَّ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ إِلَى الِانْحِدَارِ، وَأَنِفَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا وَرَدَتْ عَلَيْهِ رِسَالَةُ سَيْفِ الدَّوْلَةِ، اسْتَرَاحَ إِلَيْهَا، وَأَجَابَهُ إِلَى مَا طَلَبَهُ مِنَ الصُّلْحِ، ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَى بَغْدَاذَ.
ذِكْرُ مَسِيرِ جُيُوشِ الْمُعِزِّ الْعَلَوِيِّ إِلَى أَقَاصِي الْمَغْرِبِ
وَفِيهَا عَظُمَ أَمْرُ أَبِي الْحَسَنِ جَوْهَرٍ عِنْدَ الْمُعِزِّ بِإِفْرِيقِيَّةَ، وَعَلَا مَحَلَّهُ، وَصَارَ فِي رُتْبَةِ الْوِزَارَةِ، فَسَيَّرَهُ الْمُعِزُّ فِي صَفَرٍ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ مِنْهُمْ زِيرِي بْنُ مُنَادٍ الصِّنْهَاجِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَمْرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى أَقَاصِي الْمَغْرِبِ، فَسَارَ إِلَى تَاهَرْتَ، فَحَضَرَ عِنْدَهُ يَعْلَى بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّنَاتِيُّ، فَأَكْرَمَهُ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، ثُمَّ خَالَفَ عَلَى جَوْهَرٍ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ، وَثَارَ أَصْحَابُهُ، فَقَاتَلَهُمْ جَوْهَرٌ، فَانْهَزَمُوا وَتَبِعَهُمْ جَوْهَرٌ إِلَى مَدِينَةِ أَفَكَانَ، فَدَخَلَهَا بِالسَّيْفِ وَنَهَبَهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute