وَأَقَامَ الدُّمُسْتُقُ فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَفَتَحَ حَوْلَ عَيْنِ زَرْبَةَ أَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ حِصْنًا لِلْمُسْلِمِينَ بَعْضُهَا بِالسَّيْفِ وَبَعْضُهَا بِالْأَمَانِ، وَإِنَّ حِصْنًا مِنْ تِلْكَ الْحُصُونِ الَّتِي فُتِحَتْ بِالْأَمَانِ أَمَرَ أَهْلَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ فَخَرَجُوا، فَتَعَرَّضَ أَحَدُ الْأَرْمَنِ لِبَعْضِ حُرَمِ الْمُسْلِمِينَ، فَلِحَقَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرَةٌ عَظِيمَةٌ، فَجَرَّدُوا سُيُوفَهُمْ، فَاغْتَاظَ الدُّمُسْتُقُ لِذَلِكَ، فَأَمَرَ بِقَتْلِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةِ رَجُلٍ، وَقَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَلَمْ يَتْرُكْ إِلَّا مَنْ يَصْلُحُ أَنْ يُسْتَرَقَّ.
فَلَمَّا أَدْرَكَهُ الصَّوْمُ، انْصَرَفَ عَلَى أَنْ يَعُودَ بَعْدَ الْعِيدِ، وَخَلَّفَ جَيْشَهُ بِقَيْسَارِيَّةَ، وَكَانَ ابْنُ الزَّيَّاتِ صَاحِبُ طَرَسُوسَ، قَدْ خَرَجَ فِي أَرْبَعَةِ آلَافِ رَجُلٍ مِنَ الطَرَسُوسِيِّينَ، فَأَوْقَعَ بِهِمُ الدُّمُسْتُقُ، فَقَتَلَ أَكْثَرَهُمْ، وَقَتَلَ أَخًا لِابْنِ الزَّيَّاتِ، فَعَادَ إِلَى طَرَسُوسَ، وَكَانَ قَدْ قَطَعَ الْخُطْبَةَ لِسَيْفِ الدَّوْلَةِ (بْنِ حَمْدَانَ، فَلَمَّا أَصَابَهُمْ هَذَا الْوَهَنُ، أَعَادَ أَهْلُ الْبَلَدِ الْخُطْبَةَ لِسَيْفِ الدَّوْلَةِ) وَرَاسَلُوهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا عَلِمَ ابْنُ الزَّيَّاتِ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ، صَعِدَ إِلَى رَوْشَنَ فِي دَارِهِ فَأَلْقَى نَفْسَهُ مِنْهُ إِلَى نَهْرٍ تَحْتَهُ فَغَرِقَ، وَرَاسَلَ أَهْلُ بَغْرَاسَ الدُّمُسْتُقَ، وَبَذَلُوا لَهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَقَرَّهُمْ وَتَرَكَ مُعَارَضَتَهُمْ.
ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ الرُّومِ عَلَى مَدِينَةِ حَلَبَ (وَعَوْدِهِمْ عَنْهَا بِغَيْرِ سَبَبٍ)
فِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَوْلَى الرُّومُ عَلَى مَدِينَةِ حَلَبَ دُونَ قَلْعَتِهَا.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الدُّمُسْتُقَ سَارَ إِلَى حَلَبَ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ الْمُسْلِمُونَ ; لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ خَلَّفَ عَسْكَرَهُ بِقَيْسَارِيَّةَ وَدَخَلَ بِلَادَهُمْ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، فَلَمَّا قَضَى صَوْمَ النَّصَارَى، خَرَجَ إِلَى عَسْكَرِهِ مِنَ الْبِلَادِ جَرِيدَةً، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ، وَسَارَ بِهِمْ عِنْدَ وُصُولِهِ، فَسَبَقَ خَبَرَهُ، وَكَبَسَ مَدِينَةَ حَلَبَ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ سَيْفُ الدَّوْلَةِ بْنُ حَمْدَانَ وَلَا غَيْرُهُ.
فَلَمَّا بَلَغَهَا وَعَلِمَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ الْخَبَرَ، أَعْجَلَهُ الْأَمْرُ عَنِ الْجَمْعِ وَالِاحْتِشَادِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute