وَأُخْرِجَ نَجَا فَأُلْقِي فِي مَجْرَى الْمَاءِ وَالْأَقْذَارِ، وَبَقِيَ إِلَى الْغَدِ ثُمَّ أُخْرِجَ وَدُفِنَ.
ذِكْرُ حَصْرِ الرُّومِ الْمَصِّيصَةَ وَوُصُولِ الْغُزَاةِ مِنْ خُرَاسَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ حَصَرَ الرُّومُ مَعَ الدُّمُسْتُقِ الْمَصِّيصَةَ، وَقَاتَلُوا أَهْلَهَا، وَنَقَبُوا سُورَهَا، وَاشْتَدَّ قِتَالُ أَهْلِهَا عَلَى النَّقْبِ حَتَّى دَفَعَهُمْ عَنْهُ بَعْدَ قِتَالٍ عَظِيمٍ، وَأَحْرَقَ الرُّومُ رُسْتَاقَهَا وَرُسْتَاقَ أَذَنَةَ وَطَرَسُوسَ لِمُسَاعَدَتِهِمْ أَهْلَهَا، فَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ، وَأَقَامَ الرُّومُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يَقْصِدْهُمْ مَنْ يُقَاتِلُهُمْ، فَعَادُوا لِغَلَاءِ الْأَسْعَارِ وَقِلَّةِ الْأَقْوَاتِ.
ثُمَّ إِنَّ إِنْسَانًا وَصَلَ إِلَى الشَّامِ مِنْ خُرَاسَانَ يُرِيدُ الْغُزَاةَ وَمَعَهُ نَحْوُ خَمْسَةُ آلَافِ رَجُلٍ، وَكَانَ طَرِيقُهُمْ عَلَى أَرْمِينِيَّةَ وَمَيَّافَارِقِينَ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى سَيْفِ الدَّوْلَةِ فِي صَفَرٍ، أَخَذَهُمْ سَيْفُ الدَّوْلَةِ وَسَارَ بِهِمْ نَحْوَ بِلَادِ الرُّومِ لِدَفْعِهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، فَوَجَدُوا الرُّومَ قَدْ عَادُوا، فَتَفَرَّقَ الْغُزَاةُ الْخُرَاسَانِيَّةُ فِي الثُّغُورِ لِشِدَّةِ الْغَلَاءِ، وَعَادَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى بَغْدَاذَ وَمِنْهَا إِلَى خُرَاسَانَ.
وَلَمَّا أَرَادَ الدُّمُسْتُقُ الْعُودَ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ، أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ الْمَصِّيصَةِ وَأَذَنَةَ وَطَرَسُوسَ: إِنِّي مُنْصَرِفٌ عَنْكُمْ لَا لِعَجْزٍ، وَلَكِنْ لِضِيقِ الْعَلُوفَةِ وَشِدَّةِ الْغَلَاءِ، وَأَنَا عَائِدٌ إِلَيْكُمْ، فَمَنِ انْتَقَلَ مِنْكُمْ فَقَدْ نَجَا، وَمَنْ وَجَدْتُهُ بَعْدَ عَوْدِي قَتَلْتُهُ.
ذِكْرُ مِلْكِ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ الْمَوْصِلَ وَعَوْدِهِ عَنْهَا
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي رَجَبٍ، سَارَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ مِنْ بَغْدَاذَ إِلَى الْمَوْصِلِ وَمَلَكَهَا.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ نَاصِرَ الدَّوْلَةِ كَانَ قَدِ اسْتَقَرَّ الصُّلْحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ عَلَى أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، يَحْمِلُهَا نَاصِرُ الدَّوْلَةِ كُلَّ سَنَةٍ، فَلَمَّا حَصَلَتِ الْإِجَابَةُ مِنْ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ، بَذَلَ زِيَادَةً لِيَكُونَ الْيَمِينُ أَيْضًا لِوَلَدِهِ أَبِي تَغْلِبَ فَضْلِ اللَّهِ الْغَضَنْفَرِ مَعَهُ، وَأَنْ يَحْلِفَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ لَهُمَا، فَلَمْ يُجَبْ إِلَى ذَلِكَ، وَتَجَهَّزَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ وَسَارَ إِلَى الْمَوْصِلِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، فَلَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute