عَلَى سِتِّينَ سَنَةً يَسِيرًا، وَكَانَتْ وِزَارَتُهُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً.
ذِكْرُ قَتْلِ نَقْفُورَ مَلِكِ الرُّومِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ نَقْفُورُ مَلِكُ الرُّومِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْمَمْلَكَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ دُمُسْتُقًا، وَالدُّمُسْتُقُ عِنْدَهُمُ الَّذِي كَانَ يَلِي بِلَادَ الرُّومِ الَّتِي هِيَ شَرْقِيَّ خَلِيجِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَأَكْثَرُهَا الْيَوْمَ بِيَدِ أَوْلَادِ فَلْجَ أَرْسِلَانَ، وَكَانَ كُلُّ مَنْ يَلِيهَا يُلَقَّبُ بِالدُّمُسْتُقِ، وَكَانَ نَقْفُورُ هَذَا شَدِيدًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ الَّذِي أَخَذَ حَلَبَ أَيَّامَ سَيْفِ الدَّوْلَةِ فَعَظُمَ شَأْنُهُ عِنْدَ الرُّومِ، وَهُوَ أَيْضًا الَّذِي فَتَحَ طَرَسُوسَ، وَالْمِصِّيصَةَ، وَأَذَنَةَ، وَعَيْنَ زَرْبَةَ، وَغَيْرَهَا.
وَلَمْ يَكُنْ نَصْرَانِيَّ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْ وَلَدِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ مِنْ أَهْلِ طَرَسُوسَ يُعْرَفُ بِابْنِ الْفَقَّاسِ تَنَصَّرَ، وَكَانَ ابْنُهُ هَذَا شَهْمًا، شُجَاعًا، حَسَنَ التَّدْبِيرِ لِمَا يَتَوَلَّاهُ. فَلَمَّا عَظُمَ أَمْرُهُ وَقَوِيَ شَأْنُهُ قَتَلَ الْمَلِكَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، وَمَلَكَ الرُّومَ بَعْدَهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا جَمِيعَهُ.
فَلَمَّا مَلَكَ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ الْمَلِكِ الْمَقْتُولِ عَلَى كُرْهٍ مِنْهَا، وَكَانَ لَهَا مِنَ الْمَلِكِ الْمَقْتُولِ ابْنَانِ، وَجَعَلَ نَقْفُورُ هِمَّتَهُ قَصْدَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَالِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهَا، وَتَمَّ لَهُ مَا أَرَادَ بِاشْتِغَالِ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، فَدَوَّخَ الْبِلَادَ وَكَانَ قَدْ بَنَى أَمْرَهُ عَلَى أَنْ يَقْصِدَ سَوَادَ الْبِلَادِ فَيَنْهَبَهُ وَيُخَرِّبَهُ، فَيُضْعِفَ الْبِلَادَ فَيَمْلِكُهَا، وَغَلَبَ عَلَى ثُغُورِ الْجَزَرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ وَسَبَى، وَأَسَرَ مَا يَخْرُجُ عَنِ الْحَصْرِ، وَهَابَهُ الْمُسْلِمُونَ هَيْبَةً عَظِيمَةً، وَلَمْ يَشُكُّوا فِي أَنَّهُ يَمْلِكُ جَمِيعَ الشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالْجَزِيرَةِ وَدِيَارَ بَكْرٍ لِخُلُوِّ الْجَمِيعِ مِنْ مَانِعٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute