للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّقَدُّمَ بِهَا وَيَرْصُدُ أَوْقَاتَ الْفُرْصَةِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ شَرَفُ الدَّوْلَةِ عَلِمَ أَنَّ الْفُرْصَةَ قَدْ أَمْكَنَتْ، فَوَضَعَ عَلَى فَخْرِ الدَّوْلَةِ مَنْ يُعَظِّمُ عِنْدَهُ مُلْكَ الْعِرَاقِ وَيُسَهِّلُ أَمْرَهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُبَاشِرْ عَلَى ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ خَطَرِ الْعَاقِبَةِ، إِلَى أَنْ قَالَ لَهُ فَخْرُ الدَّوْلَةِ: مَا عِنْدَكَ فِي هَذَا الْأَمْرِ؟ فَأَحَالَ عَلَى أَنَّ سَعَادَتَهُ تُسَهِّلُ كُلَّ صَعْبٍ، وَعَظَّمَ الْبِلَادَ. فَتَجَهَّزَ وَسَارَ إِلَى هَمَذَانَ، وَأَتَاهُ بَدْرُ بْنُ حَسْنُوَيْهِ، وَقَصَدَهُ دُبَيْسُ بْنُ عَفِيفٍ الْأَسَدِيُّ، فَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى أَنْ يَسِيرَ الصَّاحِبُ بْنُ عَبَّادٍ وَبَدْرٌ إِلَى الْعِرَاقِ عَلَى الْجَادَّةِ، وَيَسِيرَ فَخْرُ الدَّوْلَةِ عَلَى خُوزِسْتَانَ، فَلَمَّا سَارَ الصَّاحِبُ حَذِرَ فَخْرُ الدَّوْلَةِ مِنْ نَاحِيَتِهِ وَقِيلَ لَهُ: رُبَّمَا اسْتَمَالَهُ أَوْلَادُ عَضُدِ الدَّوْلَةِ. فَاسْتَعَادَهُ إِلَيْهِ، وَأَخَذَهُ مَعَهُ إِلَى الْأَهْوَازِ فَمَلَكَهَا وَأَسَاءَ السِّيرَةَ مَعَ جُنْدِهَا وَضَيَّقَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَبْذُلِ الْمَالَ فَخَابَتْ ظُنُونُ النَّاسِ فِيهِ، وَاسْتَشْعَرَ مِنْهُ أَيْضًا عَسْكَرُهُ وَقَالُوا: هَكَذَا يَفْعَلُ بِنَا إِذَا تَمَكَّنَ مِنْ إِرَادَتِهِ فَتَخَاذَلُوا.

وَكَانَ الصَّاحِبُ قَدْ أَمْسَكَ نَفْسَهُ تَأَثُّرًا بِمَا قِيلَ عَنْهُ مِنِ اتِّهَامِهِ، فَالْأُمُورُ بِسُكُوتِهِ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ، فَلَمَّا سَمِعَ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ بِوُصُولِهِمْ إِلَى الْأَهْوَازِ سَيَّرَ إِلَيْهِمُ الْعَسَاكِرَ، وَالْتَقَوْا هُمْ وَعَسَاكِرُ فَخْرِ الدَّوْلَةِ.

فَاتُّفِقَ أَنَّ دِجْلَةَ الْأَهْوَازِ زَادَتِ الْوَقْتَ زِيَادَةً عَظِيمَةً، وَانْفَتَحَتِ الْبُثُوقُ مِنْهَا فَظَنَّهَا عَسْكَرُ فَخْرِ الدَّوْلَةِ مَكِيدَةً فَانْهَزَمُوا، فَقَلِقَ فَخْرُ الدَّوْلَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ قَدِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ، فَعَادَ حِينَئِذٍ إِلَى رَأْيِ الصَّاحِبِ، فَأَشَارَ لِبَذْلِ الْمَالِ وَاسْتِصْلَاحِ الْجُنْدِ وَقَالَ لَهُ: إِنَّ الرَّأْيَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ إِخْرَاجُ الْمَالِ، وَتَرْكُ مُضَايَقَةِ الْجُنْدِ، فَإِنْ أَطْلَقْتَ الْمَالَ ضَمِنْتُ لَكَ حُصُولَ أَضْعَافِهِ بَعْدَ سَنَةٍ. فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَتَفَرَّقَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ عَسْكَرِ الْأَهْوَازِ، وَاتَّسَعَ الْخَرْقُ عَلَيْهِ وَضَاقَتِ الْأُمُورُ بِهِ، فَعَادَ إِلَى الرَّيِّ وَقَبَضَ فِي طَرِيقِهِ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْقُوَّادِ الرَّازِيِّينَ وَمَلَكَ أَصْحَابُ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ الْأَهْوَازَ.

ذِكْرُ هَرَبِ الْقَادِرِ بِاللَّهِ إِلَى الْبَطِيحَةِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ هَرَبَ الْقَادِرُ بِاللَّهِ مِنَ الطَّائِعِ لِلَّهِ إِلَى الْبَطِيحَةِ فَاحْتَمَى فِيهَا.

وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ الْمُقْتَدِرِ وَالِدَ الْقَادِرِ لَمَّا تُوُفِّيَ جَرَى بَيْنَ الْقَادِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>