للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ وَوَعْدَهُمَا بِهِ وَسَيَّرَ إِلَيْهِمَا ثَمَانِينَ غُلَامًا مِنَ الْأَتْرَاكِ، فَعَبَرُوا وَحَمَلُوا عَلَى الدَّيْلَمِ مِنْ خَلْفِهِمْ، فَأَفْرَجَ لَهُمُ الدَّيْلَمُ، فَلَمَّا (تَوَسَّطُوا بَيْنَهُمْ) أَطْبَقُوا عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوهُمْ.

فَلَمَّا عَرَفَ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ ذَلِكَ ضَعُفَتْ نَفْسُهُ وَعَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ، وَلَمْ يُظْهِرْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ بِإِسْرَاجِ الْخَيْلِ وَحَمْلِ السِّلَاحِ فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَسَارَ نَحْوَ الْأَهْوَازِ يَسِيرًا، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْبَصْرَةِ فَنَزَلَ بِظَاهِرِهَا. فَلَمَّا عَرَفَ ابْنُ مُكْرَمٍ خَبَرَ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ عَادَ إِلَى عَسْكَرِ مُكْرَمٍ، وَتَبِعَهُمُ الْعَلَاءُ وَالدَّيْلَمُ فَأَجْلَوْهُمْ عَنْهَا، فَنَزَلُوا بِرَامِلَانَ بَيْنَ عَسْكَرِ مُكْرَمٍ وَتُسْتَرَ، وَتَكَرَّرَتِ الْوَقَائِعُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مُدَّةً.

وَكَانَ بِيَدِ الْأَتْرَاكِ، أَصْحَابِ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ مِنْ تُسْتَرَ إِلَى رَامَهُرْمُزَ وَمَعَ الدَّيْلَمِ مِنْهَا إِلَى أَرَّجَانَ، وَأَقَامُوا سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الْأَهْوَازِ، ثُمَّ عَبَرَ بِهِمُ النَّهْرَ إِلَى الدَّيْلَمِ، وَاقْتَتَلُوا نَحْوَ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ رَحَلَ الْأَتْرَاكُ وَتَبِعَهُمُ الْعَلَاءُ، فَوَجَدَهُمْ قَدْ سَلَكُوا طَرِيقَ وَاسِطَ، فَكَفَّ عَنْهُمْ، وَأَقَامَ بِعَسْكَرِ مكْرَمٍ.

ذِكْرُ حَادِثَةٍ غَرِيبَةٍ بِالْأَنْدَلُسِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَيَّرَ الْمَنْصُورُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ، أَمِيرُ الْأَنْدَلُسِ لِهِشَامٍ الْمُؤَيَّدِ عَسْكَرًا إِلَى بِلَادِ الْفِرِنْجِ لِلْغَزَاةِ، فَنَالُوا مِنْهُمْ وَغَنِمُوا، وَأَوْغَلُوا فِي دِيَارِهِمْ، وَأَسَرُوا غَرْسِيَّةَ، وَهُوَ مَلِكٌ لِلْفِرِنْجِ ابْنُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ يُقَالُ لَهُ شَانْجَةُ، وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ مُلُوكِهِمْ وَأَمْنَعِهِمْ، وَكَانَ مِنَ الْقَدَرِ أَنَّ شَاعِرًا لِلْمَنْصُورِ، يُقَالُ لَهُ أَبُو الْعَلَاءِ صَاعِدُ بْنُ الْحَسَنِ الرَّبَعِيُّ، قَدْ قَصَدَهُ مِنْ بِلَادِ الْمَوْصِلِ، وَأَقَامَ عِنْدَهُ وَامْتَدَحَهُ قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ، فَلَمَّا كَانَ الْآنَ أَهْدَى أَبُو الْعَلَاءِ إِلَى الْمَنْصُورِ أُيَّلًا. وَكَتَبَ مَعَهُ أَبْيَاتًا مِنْهَا:

يَا حِرْزَ كُلِّ مُخَوَّفٍ وَأَمَانَ كُلِّ ... مُشَرَّدٍ وَمُعِزَّ كُلِّ مُذَلَّلِ

جَدْوَاكَ إِنْ تُخْصَصْ بِهِ فَلِأَهْلِهِ ... وَتَعُمُّ بِالْإِحْسَانِ كُلَّ مُؤَمِّلِ

(يَقُولُ فِيهَا) :

<<  <  ج: ص:  >  >>