يَحْتَرِزُ مِنْهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ حَمَلَ عَلَيْهِ وَضَرَبَهُ بِالْخَشَتِ فَقَتَلَهُ، فَصَاحَ الْمُسْلِمُونَ: قُتِلَ عَدُوُّ اللَّهِ! وَعَادُوا وَنَزَلَ النَّصْرُ عَلَيْهِمْ، فَانْهَزَمَتِ الرُّومُ وَقُتِلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ.
وَسَارَ جَيْشٌ إِلَى بَابِ أَنْطَاكِيَةَ يَغْنَمُ وَيَسْبِي وَيَحْرِقُ، وَعَادَ إِلَى دِمَشْقَ فَنَزَلَ بِظَاهِرِهَا، وَكَانَ الزَّمَانُ شِتَاءً، فَسَأَلَهُ أَهْلُ دِمَشْقَ لِيَدْخُلَ الْبَلَدَ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَنَزَلَ بِبَيْتِ لَهْيَا، وَأَحْسَنَ السِّيرَةَ فِي أَهْلِ دِمَشْقَ، وَاسْتَخَصَّ رُؤَسَاءَ الْأَحْدَاثِ، وَاسْتَحْجَبَ جَمَاعَةً مِنْهُمْ، وَجَعَلَ يَبْسُطُ الطَّعَامَ كُلَّ يَوْمٍ لَهُمْ وَلِمَنْ يَجِئُ مَعَهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِمْ، فَكَانَ يَحْضُرُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ فِي جَمْعٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَشْيَاعِهِ، وَأَمَرَهُمْ إِذَا فَرَغُوا مِنَ الطَّعَامِ أَنْ (يَحْضُرُوا إِلَى) حُجْرَةٍ لَهُ يَغْسِلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهَا، فَعَبَرَ عَلَى ذَلِكَ بُرْهَةً مِنَ الزَّمَانِ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْأَحْدَاثِ، إِذَا دَخَلُوا الْحُجْرَةَ لِغَسْلِ أَيْدِيهِمْ، أَنْ يُغْلِقُوا بَابَ الْحُجْرَةِ عَلَيْهِمْ، وَيَضَعُوا السَّيْفَ فِي أَصْحَابِهِمْ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ حَضَرُوا الطَّعَامَ، وَقَامَ الرُّؤَسَاءُ إِلَى الْحُجْرَةِ، فَأُغْلِقَتِ الْأَبْوَابُ عَلَيْهِمْ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِمْ نَحْوُ ثَلَاثَةِ آلَافِ رَجُلٍ، وَدَخَلَ دِمَشْقَ فَطَافَهَا، فَاسْتَغَاثَ النَّاسُ وَسَأَلُوهُ الْعَفْوَ وَعَفَا عَنْهُمْ، وَأَحْضَرَ أَشْرَافَ أَهْلِهَا، وَقَتَلَ رُؤَسَاءَ الْأَحْدَاثِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَسَيَّرَ الْأَشْرَافَ إِلَى مِصْرَ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ وَنِعَمَهُمْ، ثُمَّ مَرِضَ بِالْبَوَاسِيرِ وَشِدَّةِ الضَّرَبَانِ فَمَاتَ.
وَوَلِيَ بَعْدَهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ هَذِهِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ إِنَّ أَرْجُوَانَ بَعْدَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ رَاسَلَ بَسِيلَ مَلِكَ الرُّومِ وَهَادَنَهُ عَشْرَ سِنِينَ، وَاسْتَقَامَتِ الْأُمُورُ عَلَى يَدِ أَرْجُوَانَ. وَسَيَّرَ أَيْضًا جَيْشًا إِلَى بَرْقَةَ، وَطَرَابُلُسَ الْغَرْبِ فَفَتَحَهَا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا أَنَسًا الصَّقْلَبِيَّ وَنَصَحَ الْحَاكِمَ، وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ، وَلَازَمَ خِدْمَتَهُ فَثَقُلَ مَكَانُهُ عَلَى الْحَاكِمِ، فَقَتَلَهُ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute