وَوَصَلَ مَلِكُ الرُّومِ فِي ثَمَانِينَ أَلْفًا إِلَى الضَّوَاحِي قَاصِدًا لَهُ، وَوَصَلَ مَلِكُ الْخَزَرِ إِلَى الْبَابِ وَالْأَبْوَابِ فِي جَمْعٍ عَظِيمٍ، فَإِنَّ جَمْعًا مِنَ الْعَرَبِ شَنُّوا الْغَارَةَ عَلَى السَّوَادِ. فَأَرْسَلَ هُرْمُزُ بَهْرَامَ خُشْنَشْ، وَيُعْرَفُ بِجُوبِينَ، فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ اخْتَارَهُمْ مِنْ عَسْكَرِهِ، فَسَارَ مُجِدًّا وَوَاقَعَ شَابَهْ مَلِكَ التُّرْكِ فَقَتَلَهُ بِرَمْيَةٍ رَمَاهَا وَاسْتَبَاحَ عَسْكَرَهُ، ثُمَّ وَافَاهُ بَرْمُودَهْ بْنُ شَابَهْ فَهَزَمَهُ أَيْضًا وَحَصَرَهُ فِي بَعْضِ الْحُصُونِ حَتَّى اسْتَسْلَمَ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى هُرْمُزَ أَسِيرًا وَغَنِمَ مَا فِي الْحِصْنِ، فَكَانَ عَظِيمًا.
ثُمَّ خَافَ بَهْرَامُ وَمَنْ مَعَهُ هُرْمُزَ، فَخَلَعُوهُ وَسَارُوا نَحْوَ الْمَدَائِنِ، وَأَظْهَرُوا أَنَّ ابْنَهُ أَبْرَوِيزَ أَصْلَحُ لِلْمُلْكِ مِنْهُ، وَسَاعَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ كَانَ بِحَضْرَةِ هُرْمُزَ، وَكَانَ غَرَضُ بَهْرَامَ أَنْ يَسْتَوْحِشَ هُرْمُزُ مِنِ ابْنِهِ أَبْرَوِيزَ، وَيَسْتَوْحِشَ ابْنُهُ مِنْهُ فَيَخْتَلِفَا، فَإِنْ ظَفِرَ أَبْرَوِيزُ بِأَبِيهِ كَانَ أَمْرُهُ عَلَى بَهْرَامَ سَهْلًا، وَإِنْ ظَفِرَ أَبُوهُ بِهِ نَجَا بَهْرَامُ وَالْكَلِمَةُ مُخْتَلِفَةٌ، فَيَنَالُ مِنْ هُرْمُزَ غَرَضَهُ، وَكَانَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِالِاسْتِقْلَالِ بِالْمُلْكِ. فَلَمَّا عَلِمَ أَبْرَوِيزُ ذَلِكَ خَافَ أَبَاهُ، فَهَرَبَ إِلَى أَذْرَبِيجَانَ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ عِدَّةٌ مِنَ الْمَرَازِبَةِ وَالْأَصْبَهْبَذِينَ، وَوَثَبَ الْعُظَمَاءُ بِالْمَدَائِنِ، وَفِيهِمْ بِنْدَوَيْهِ وَبِسْطَامٌ خَالَا أَبْرَوِيزَ، فَخَلَعُوا هُرْمُزَ وَسَمَلُوا عَيْنَيْهِ وَتَرَكُوهُ تَحَرُّجًا مِنْ قَتْلِهِ، وَبَلَغَ أَبْرَوِيزَ الْخَبَرُ فَأَقْبَلَ مِنْ أَذْرَبِيجَانَ إِلَى دَارِ الْمُلْكِ.
وَكَانَ مُلْكُ هُرْمُزَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً وَتِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَلَمْ يُسْمَلْ مِنْ مُلُوكِ الْفُرْسِ غَيْرُهُ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ.
وَمِنْ مَحَاسِنِ السِّيَرِ مَا حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ دَارِهِ الَّتِي تُشْرِفُ عَلَى دِجْلَةَ مُقَابِلَ الْمَدَائِنِ عَمِلَ وَلِيمَةً عَظِيمَةً وَأَحْضَرَ النَّاسَ مِنَ الْأَطْرَافِ، فَأَكَلُوا، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: هَلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute