وَمِنْ عَادَةِ الْهِنْدِ أَنَّهُمْ مَنْ حَصَلَ مِنْهُمْ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ أَسِيرًا لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ بَعْدَهَا رِئَاسَةٌ، فَلَمَّا رَأَى جِيبَالُ حَالَهُ بَعْدَ خَلَاصِهِ حَلَقَ رَأْسَهُ، ثُمَّ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي النَّارِ، فَأُحْرِقَ بِنَارِ الدُّنْيَا قَبْلَ نَارِ الْآخِرَةِ.
ذِكْرُ غَزْوَةٍ أُخْرَى إِلَى الْهِنْدِ أَيْضًا
فَلَمَّا فَرَغَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ مِنْ أَمْرِ جِيبَالَ رَأَى أَنْ يَغْزُوَ غَزْوَةً أُخْرَى، فَسَارَ نَحْوَ وَيْهَنْدَ، فَأَقَامَ عَلَيْهَا مُحَاصِرًا لَهَا، حَتَّى فَتَحَهَا قَهْرًا، وَبَلَغَهُ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْهِنْدِ قَدِ اجْتَمَعُوا بِشِعَابِ تِلْكَ الْجِبَالِ عَازِمِينَ عَلَى الْفَسَادِ وَالْعِنَادِ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِمْ طَائِفَةً مِنْ عَسْكَرِهِ، فَأَوْقَعُوا بِهِمْ، وَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ فِيهِمْ، وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إِلَّا الشَّرِيدُ الْفَرِيدُ، وَعَادَ إِلَى غَزْنَةَ سَالِمًا ظَافِرًا.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ قِرْوَاشٍ وَعَسْكَرِ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَيَّرَ قِرْوَاشُ بْنُ الْمُقَلِّدِ جَمْعًا مِنْ عُقَيْلٍ إِلَى الْمَدَائِنِ فَحَصَرُوهَا، فَسَيَّرَ إِلَيْهِمْ أَبُو جَعْفَرٍ نَائِبُ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ جَيْشًا فَأَزَالُوهُمْ عَنْهَا، فَاجْتَمَعَتْ عُقَيْلٌ وَأَبُو الْحَسَنِ مَزْيَدٌ فِي بَنِي أَسَدٍ، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُمْ، فَخَرَجَ الْحَجَّاجُ إِلَيْهِمْ، وَاسْتَنْجَدَ خَفَاجَةَ، وَأَحْضَرَهُمْ مِنَ الشَّامِ، فَاجْتَمَعُوا مَعَهُ، وَاقْتَتَلُوا بِنَوَاحِي بَاكَرْمَ فِي رَمَضَانَ، فَانْهَزَمَتِ الدَّيْلَمُ وَالْأَتْرَاكُ، وَأُسِرَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَاسْتُبِيحَ عَسْكَرُهُمْ.
فَجَمَعَ أَبُو جَعْفَرٍ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعَسْكَرِ وَخَرَجَ إِلَى بَنِي عُقَيْلٍ وَابْنِ مَزْيَدٍ فَالْتَقَوْا بِنَوَاحِي الْكُوفَةِ، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ، فَانْهَزَمَتْ عُقَيْلٌ وَابْنُ مَزْيَدٍ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَأُسِرَ مِثْلُهُمْ، وَسَارَ إِلَى حُلَلِ ابْنِ مَزْيَدٍ فَأَوْقَعَ بِمَنْ فِيهَا فَانْهَزَمُوا أَيْضًا، فَنُهِبَتِ الْحُلَلُ وَالْبُيُوتُ وَالْأَمْوَالُ، وَرَأَوْا فِيهَا مِنَ الْعَيْنِ وَالْمَصَاغِ وَالثِّيَابِ مَا لَا يُقَدَّرُ قَدْرُهُ.
وَلَمَّا سَارَ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ بَغْدَاذَ اخْتَلَتِ الْأَحْوَالُ بِهَا، وَعَادَ أَمْرُ الْعَيَّارِينَ فَظَهَرَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute