للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَخَلَ بِلَادَ الْعَدُوِّ فَنَالَ مِنْهُمْ وَعَادَ وَهُوَ مُثْقَلٌ، فَتُوُفِّيَ بِمَدِينَةِ سَالِمٍ، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ الْغُبَارَ الَّذِي وَقَعَ عَلَى دِرْعِهِ (فِي غَزَوَاتِهِ شَيْئًا صَالِحًا) ، فَأَمَرَ أَنْ يُجْعَلَ فِي كَفَنِهِ تَبَرُّكًا بِهِ.

وَكَانَ حَسَنَ الِاعْتِقَادِ وَالسِّيرَةِ، عَادِلًا، كَانَتْ أَيَّامُهُ أَعْيَادًا لِنَضَارَتِهَا، وَأَمِنَ النَّاسُ فِيهَا، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَلَهُ شِعْرٌ جَيِّدٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ تَمِيمِيَّةً، وَلَمَّا مَاتَ وَلِيَ بَعْدَهُ ابْنُهُ الْمُظَفَّرُ أَبُو مَرْوَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ، فَجَرَى مَجْرَى أَبِيهِ.

ذِكْرُ مُحَاصَرَةِ فُلْفُلٍ مَدِينَةَ قَابِسَ وَمَا كَانَ مِنْهُ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْأَنْدَلُسِيُّ وَفُلْفُلٌ مِنْ طَرَابُلُسَ إِلَى مَدِينَةِ قَابِسَ فِي عَسْكَرٍ كَثِيرٍ، فَحَصَرُوهَا، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى طَرَابُلُسَ. وَلَمَّا رَأَى يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ قِلَّةِ الْمَالِ، وَاخْتِلَالِ حَالِهِ وَسُوءِ مُجَاوَرَةِ فُلْفُلٍ وَأَصْحَابِهِ لَهُ، رَجَعَ إِلَى مِصْرَ إِلَى الْحَاكِمِ، بَعْدَ أَنْ أَخَذَ فُلْفُلٌ وَأَصْحَابُهُ خُيُولَهُمْ، وَمَا اخْتَارُوهُ مِنْ عُدَدِهِمْ بَيْنَ الشِّرَاءِ وَالْغَصْبِ، فَأَرَادَا الْحَاكِمُ قَتْلَهُ ثُمَّ عَفَا عَنْهُ.

وَأَقَامَ فُلْفُلٌ بِطَرَابُلُسَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعِمِائَةٍ، فَمَرِضَ وَتُوُفِّيَ، وَوُلِيَ أَخُوهُ وَرُّو، فَأَطَاعَتْهُ زَنَاتَةُ، وَاسْتَقَامَ أَمْرُهُ، فَرَحَلَ بَادِيسُ إِلَى طَرَابُلُسَ لِحَرْبِ زَنَاتَةَ، فَلَمَّا بَلَغَهُمْ رَحِيلُهُ فَارَقُوهَا وَمَلَكَهَا بَادِيسُ، فَفَرَّ أَهْلُهَا وَأَرْسَلَ وَرُّو أَخُو فُلْفُلٍ إِلَى بَادِيسَ يَطْلُبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ زَنَاتَةَ فِي أَمَانِهِ، وَيَدْخُلُونَ فِي طَاعَتِهِ، وَيَجْعَلُهُمْ عُمَّالًا كَسَائِرِ عُمَّالِهِ، فَأَمَّنَهُمْ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَأَعْطَاهُمْ نِفْزَاوَةَ وَقَسْطِيلَةَ عَلَى أَنْ يَرْحَلُوا مِنْ أَعْمَالِ طَرَابُلُسَ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ.

ثُمَّ إِنَّ خَزْرُونَ بْنَ سَعِيدٍ أَخَا وَرُّو جَاءَ إِلَى بَادِيسَ، وَدَخَلَ فِي طَاعَتِهِ، وَفَارَقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>