وَرَحَلَ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ إِلَى قَنْطَرَةِ أَرْبُقَ، عَازِمًا عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى فَارِسَ، وَدَخَلَ أَبُو الْعَبَّاسِ إِلَى دَارِ الْمَمْلَكَةِ وَأَخَذَ مَا فِيهَا مِنَ الْأَمْتِعَةِ وَالْأَثَاثِ الْمُتَخَلَّفِ عَنْ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْهُ الْمُقَامُ لِأَنَّ بَهَاءَ الدَّوْلَةِ كَانَ قَدْ جَهَّزَ عَسْكَرًا لِيَسِيرَ فِي الْبَحْرِ إِلَى الْبَصْرَةِ، فَخَافَ أَبُو الْعَبَّاسِ مِنْ ذَلِكَ، وَرَاسَلَ بَهَاءَ الدَّوْلَةِ، وَصَالَحَهُ وَزَادَ فِي أَقْطَاعِهِ، وَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَعَادَ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَحَمَلَ مَعَهُ كُلَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ دَارِ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ وَدُورِ الْأَكَابِرِ وَالْقُوَّادِ وَالتُّجَّارِ.
ذِكْرُ غَزْوَةِ بَهَاطِيَةَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ غَزَا يَمِينُ الدَّوْلَةِ بَهَاطِيَةَ مِنْ أَعْمَالِ الْهِنْدِ، وَهِيَ وَرَاءَ الْمُولْتَانِ، وَصَاحِبُهَا يُعْرَفُ بِبَحِيرَا، وَهِيَ مَدِينَةٌ حَصِينَةٌ، عَالِيَةُ السُّورِ، يُحِيطُ بِهَا خَنْدَقٌ عَظِيمٌ، فَامْتَنَعَ صَاحِبُهَا بِهَا، ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ إِلَى ظَاهِرِهَا، فَقَاتَلَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ انْهَزَمَ فِي الرَّابِعِ، وَطَلَبَ الْمَدِينَةَ لِيَدْخُلَهَا، فَسَبَقَهُمُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى بَابِ الْبَلَدِ فَمَلَكُوهُ عَلَيْهِمْ، وَأَخَذَتْهُمُ السُّيُوفُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ، فَقُتِلَ الْمُقَاتِلَةُ وَسُبِيَتِ الذُّرِّيَّةُ وَأُخِذَتِ الْأَمْوَالُ.
أَمَّا بَحِيرَا فَإِنَّهُ لَمَّا عَايَنَ الْهَلَاكَ أَخَذَ جَمَاعَةً مِنْ ثِقَاتِهِ وَسَارَ إِلَى رُءُوسِ تِلْكَ الْجِبَالِ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ يَمِينُ الدَّوْلَةِ سَرِيَّةً، فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِمْ بَحِيرَا إِلَّا وَقَدْ أَحَاطُوا بِهِ، وَحَكَّمُوا السُّيُوفَ فِي أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا أَيْقَنَ بِالْعَطَبِ أَخَذَ خِنْجَرًا مَعَهُ فَقَتَلَ بِهِ نَفْسَهُ، وَأَقَامَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ بِبَهَاطِيَةَ حَتَّى أَصْلَحَ أَمْرَهَا، وَرَتَّبَ قَوَاعِدَهَا، وَعَادَ عَنْهَا إِلَى غَزْنَةَ، وَاسْتَخْلَفَ بِهَا مَنْ يُعَلِّمُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِهَا وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ تَعَلُّمُهُ، وَلَقِيَ فِي عَوْدِهِ شِدَّةً شَدِيدَةً مِنَ الْأَمْطَارِ وَكَثْرَتِهَا، وَزِيَادَةِ الْأَنْهَارِ، فَغَرِقَ مِنْهُ مِنْ عَسْكَرِهِ عَظِيمٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute