ثُمَّ تَجَدَّدَ مَا أَوْجَبَ عَوْدَهُ إِلَى الْأَهْوَازِ، فَعَادَ إِلَيْهَا فِي جَيْشِهِ، وَبَهَاءُ الدَّوْلَةِ مُقِيمٌ بِهَا، فَلَمَّا قَارَبَهَا رَحَلَ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ عَنْهَا لِقِلَّةِ عَسْكَرِهِ، وَتَفَرُّقِهِمْ: بَعْضُهُمْ بِفَارِسَ، وَبَعْضُهُمْ بِالْعِرَاقِ، وَقَطَعَ قَنْطَرَةَ أَرْبَقَ، وَبَقِيَ النَّهْرُ يَحْجُزُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، فَاسْتَوْلَى أَبُو الْعَبَّاسِ عَلَى الْأَهْوَازِ، وَأَتَاهُ مَدَدٌ مِنْ بَدْرِ بْنِ حَسَنَوَيْهِ ثَلَاثَةُ آلَافِ فَارِسٍ، فَقَوِيَ بِهِمْ.
وَعَزَمَ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ عَلَى الْعَوْدِ إِلَى فَارِسَ، فَمَنَعَهُ أَصْحَابُهُ فَأَصْلَحَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَنْطَرَةَ، وَجَرَى بَيْنَ الْعَسْكَرَيْنِ قِتَالٌ شَدِيدٌ دَامَ إِلَى السَّحَرِ، ثُمَّ عَبَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ عَلَى الْقَنْطَرَةِ بَعْدَ أَنْ أَصْلَحَهَا، وَالْتَقَى الْعَسْكَرَانِ وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، فَانْهَزَمَ أَبُو الْعَبَّاسِ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ كَثِيرٌ، وَعَادَ إِلَى الْبَصْرَةِ مَهْزُومًا مُنْتَصَفَ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
فَلَمَّا عَادَ مُنْهَزِمًا جَهَّزَ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ إِلَيْهِ الْعَسَاكِرَ مَعَ وَزِيرِهِ أَبِي غَالِبٍ، فَسَارَ إِلَيْهِ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ مُحَاصِرًا لَهُ، وَجَرَى بَيْنَ الْعَسْكَرَيْنِ الْقِتَالُ، وَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى الْوَزِيرِ، وَقَلَّ الْمَالُ عِنْدَهُ، وَاسْتَمَدَّ بَهَاءَ الدَّوْلَةِ فَلَمْ يَمُدَّهُ
ثُمَّ إِنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ جَمَعَ سُفُنَهُ وَعَسَاكِرَهُ، وَأَصْعَدَ إِلَى عَسْكَرِ الْوَزِيرِ، وَهَجَمَ عَلَيْهِ، فَانْهَزَمَ الْوَزِيرُ، وَكَادَ يُتِمُّ عَلَى الْهَزِيمَةِ، فَاسْتَوْقَفَهُ بَعْضُ الدَّيْلَمِ وَثَبَّتَهُ، وَحَمَلُوا عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ فَانْهَزَمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَأَخَذَ الْوَزِيرُ سُفُنَهُ، فَاسْتَأْمَنَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ.
وَمَضَى أَبُو الْعَبَّاسِ مُنْهَزِمًا، وَرَكِبَ مَعَ حَسَّانَ بْنِ ثِمَالٍ الْخَفَاجِيِّ هَارِبًا إِلَى الْكُوفَةِ، وَدَخَلَ الْوَزِيرُ الْبَصْرَةَ، وَكَتَبَ إِلَى بَهَاءِ الدَّوْلَةِ بِالْفَتْحِ.
ثُمَّ إِنَّ (أَبَا الْعَبَّاسِ) سَارَ مِنَ الْكُوفَةِ، وَقَطَعَ دِجْلَةَ، وَمَضَى عَازِمًا عَلَى اللَّحَاقِ بِبَدْرِ بْنِ حَسَنَوَيْهِ، فَبَلَغَ خَانِقِينَ، وَبِهَا جَعْفَرُ بْنُ الْعَوَّامِ فِي طَاعَةِ بَدْرٍ، فَأَنْزَلَهُ وَأَكْرَمَهُ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالْمَسِيرِ فِي وَقْتِهِ، وَحَذَّرَهُ الطَّلَبَ، فَاعْتَلَّ بِالتَّعَبِ، وَطَلَبَ الِاسْتِرَاحَةَ، وَنَامَ، وَبَلَغَ خَبَرُهُ إِلَى أَبِي الْفَتْحِ بْنِ عَنَّازٍ، وَهُوَ فِي طَاعَةِ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ، وَكَانَ قَرِيبًا مِنْهُمْ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ بِخَانِقِينَ، وَهُوَ بِهَا، فَحَصَرَهُ وَأَخَذَهُ وَسَارَ بِهِ إِلَى بَغْدَاذَ، فَسَيَّرَهُ عَمِيدُ الْجُيُوشِ إِلَى بَهَاءِ الدَّوْلَةِ، فَلَقِيَهُمْ فِي الطَّرِيقِ قَاصِدٌ مِنْ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ يَأْمُرُ بِقَتْلِهِ، فَقُتِلَ وَحُمِلَ رَأْسُهُ إِلَى بَهَاءِ الدَّوْلَةِ، وَطِيفَ بِهِ بِخُوزِسْتَانَ وَفَارِسَ، وَكَانَ بِوَاسِطَ عَاشِرَ صَفَرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute