كَانَ أَبُو رَكْوَةَ اسْمُهُ الْوَلِيدُ وَإِنَّمَا كُنِّيَ أَبَا رَكْوَةَ لِرَكْوَةٍ كَانَ يَحْمِلُهَا فِي أَسْفَارِهِ، سُنَّةُ الصُّوفِيَّةِ، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَيَقْرُبُ فِي النَّسَبِ مِنَ الْمُؤَيَّدِ هِشَامِ بْنِ الْحَاكِمِ الْأُمَوِيِّ، صَاحِبِ الْأَنْدَلُسِ، وَإِنَّ الْمَنْصُورَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ لَمَّا اسْتَوْلَى عَلَى الْمُؤَيَّدِ وَأَخْفَاهُ عَنِ النَّاسِ، تَتَبَّعَ أَهْلَهُ وَمَنْ يَصْلُحُ مِنْهُمْ لِلْمُلْكِ، فَطَلَبَهُ، فَقُتِلَ الْبَعْضُ، وَهَرَبَ الْبَعْضُ.
وَكَانَ أَبُو رَكْوَةَ مِمَّنْ هَرَبَ، وَعُمْرُهُ حِينَئِذٍ قَدْ زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ سَنَةً، وَقَصَدَ مِصْرَ، وَكَتَبَ الْحَدِيثَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى مَكَّةَ وَالْيَمَنِ، (وَعَادَ إِلَى مِصْرَ وَدَعَا بِهَا) إِلَى الْقَائِمِ، فَأَجَابَهُ بَنُو قُرَّةَ وَغَيْرُهُمْ.
وَسَبَبُ اسْتِجَابَتِهِمْ أَنَّ الْحَاكِمَ بِأَمْرِ اللَّهِ كَانَ قَدْ أَسْرَفَ فِي مِصْرَ فِي قَتْلِ الْقُوَّادِ، وَحَبْسِهِمْ، وَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ، وَسَائِرُ الْقَبَائِلِ مَعَهُ فِي ضَنْكٍ وَضِيقٍ، وَيَوَدُّونَ خُرُوجَ الْمُلْكِ عَنْ يَدِهِ، وَكَانَ الْحَاكِمُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي دَعَا أَبُو رَكْوَةَ بَنِي قُرَّةَ قَدْ آذَاهُمْ، وَحَبَسَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِهِمْ، وَقَتَلَ بَعْضَهُمْ، فَلَمَّا دَعَاهُمْ أَبُو رَكْوَةَ انْقَادُوا لَهُ.
وَكَانَ بَيْنَ بَنِي قُرَّةَ وَبَيْنَ زِنَاتَةَ حُرُوبٌ وَدِمَاءٌ، فَاتَّفَقُوا عَلَى الصُّلْحِ، وَمَنْعِ أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْحَاكِمِ، فَقَصَدَ بَنِي قُرَّةَ، وَفَتَحَ يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ الْخَطَّ، وَتَظَاهَرَ بِالدِّينِ وَالنُّسُكِ، وَأَمَّهُمْ فِي صَلَوَاتِهِمْ، فَشَرَعَ فِي دَعْوَتِهِمْ إِلَى مَا يُرِيدُ، فَأَجَابُوهُ وَبَايَعُوهُ، وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَعَرَّفَهُمْ حِينَئِذٍ نَفْسَهُ، وَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ عِنْدَهُمْ فِي الْكُتُبِ أَنَّهُ يَمْلِكُ مِصْرَ وَغَيْرَهَا، وَوَعَدَهُمْ وَمَنَّاهُمْ، وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا. فَاجْتَمَعَتْ بَنُو قُرَّةَ وَزِنَاتَةُ عَلَى بَيْعَتِهِ، وَخَاطَبُوهُ بِالْإِمَامَةِ، وَكَانُوا بِنَوَاحِي بَرْقَةَ. فَلَمَّا سَمِعَ الْوَالِي بِبَرْقَةَ خَبَرَهُ كَتَبَ إِلَى الْحَاكِمِ (يُنْهِيهِ إِلَيْهِ) ، وَيَسْتَأْذِنُهُ فِي قَصْدِهِمْ وَإِصْلَاحِهِمْ، فَأَمَرَهُ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ وَاطِّرَاحِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute