وَاتَّصَلَ الْخَبَرُ بِيَمِينِ الدَّوْلَةِ، فَتَقَدَّمَ نَحْوَهُمْ فِي سَائِرِ جُيُوشِهِ، فَلَحِقَهُمْ وَهُمْ فِي الْحَرْبِ، فَثَبَتَ الْخُوَارَزْمِيَّةُ إِلَى أَنِ انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَأَحْسَنُوا الْقِتَالَ، ثُمَّ إِنَّهُمُ انْهَزَمُوا، وَرَكِبَهُمْ أَصْحَابُ يَمِينِ الدَّوْلَةِ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ، وَلَمْ يَسْلَمْ إِلَّا الْقَلِيلُ.
ثُمَّ إِنَّ الْبَتْكِينَ رَكِبَ سَفِينَةً لِيَنْجُوَ فِيهَا، فَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ مَعَهُ مُنَافَرَةٌ، فَقَامُوا عَلَيْهِ وَأَوْثَقُوهُ، وَرَدُّوا السَّفِينَةَ إِلَى نَاحِيَةِ يَمِينِ الدَّوْلَةِ وَسَلَّمُوهُ إِلَيْهِ، فَأَخَذَهُ وَسَائِرَ الْقُوَّادِ الْمَأْسُورِينَ مَعَهُ، وَصَلَبَهُمْ عِنْدَ قَبْرِ أَبِي الْعَبَّاسِ خُوَارَزْمَشَاهَ، وَأَخَذَ الْبَاقِينَ مِنَ الْأَسْرَى، فَسَيَّرَهُمْ إِلَى غَزْنَةَ، فَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا بِهَا أَفْرَجَ عَنْهُمْ، وَأَجْرَى لَهُمُ الْأَرْزَاقَ، وَسَيَّرَهُمْ إِلَى أَطْرَافِ بِلَادِهِ مِنْ أَرْضِ الْهِنْدِ يَحْمُونَهَا مِنَ الْأَعْدَاءِ، وَيَحْفَظُونَهَا مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ، وَأَخَذَ خُوَارَزْمَ وَاسْتَنَابَ بِهَا حَاجِبَهُ التُّونْتَاشَ.
ذِكْرُ غَزْوَةِ قِشْمِيرَ وَقَنُّوجَ وَغَيْرِهِمَا
فِي هَذِهِ السَّنَةِ غَزَا يَمِينُ الدَّوْلَةِ بِلَادَ الْهِنْدِ، بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ خُوَارَزْمَ، فَسَارَ مِنْهَا إِلَى غَزْنَةَ (وَمِنْهَا إِلَى الْهِنْدِ) عَازِمًا عَلَى غَزْوِ قِشْمِيرَ، إِذْ كَانَ قَدِ اسْتَوْلَى عَلَى بِلَادِ الْهِنْدِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِشْمِيرَ، وَأَتَاهُ مِنَ الْمُتَطَوِّعَةِ نَحْوُ عِشْرِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ مِنْ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَغَيْرِهِ مِنِ الْبِلَادِ، وَسَارَ إِلَيْهَا مِنْ غَزْنَةَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ سَيْرًا دَائِمًا، وَعَبَرَ نَهْرَ سَيْحُونَ، وَجِيلُومَ، وَهُمَا نَهْرَانِ عَمِيقَانِ شَدِيدَا الْجَرْيَةِ، فَوَطِئَ أَرْضَ الْهِنْدِ، وَأَتَاهُ رُسُلُ مُلُوكِهَا بِالطَّاعَةِ وَبَذْلِ الْإِتَاوَةِ.
فَلَمَّا بَلَغَ دَرْبَ قِشْمِيرَ أَتَاهُ صَاحِبُهَا وَأَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ، وَسَارَ بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى مَقْصِدِهِ، فَبَلَغَ مَاجُونَ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ، وَفَتَحَ مَا حَوْلَهَا مِنَ الْوِلَايَاتِ الْفَسِيحَةِ (وَالْحُصُونِ الْمَنِيعَةِ) ، حَتَّى بَلَغَ حِصْنَ هُودَبَ، وَهُوَ آخِرُ مُلُوكِ الْهِنْدِ، فَنَظَرَ هُودَبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute