للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ وَفَاةِ مُهَذِّبِ الدَّوْلَةِ وَحَالِ الْبَطِيحَةِ بَعْدَهُ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي جُمَادَى الْأُولَى، تُوُفِّيَ مُهَذِّبُ الدَّوْلَةِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ، وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ الْقَادِرُ بِاللَّهِ.

وَكَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ أَنَّهُ افْتَصَدَ، فَانْتَفَخَ سَاعِدُهُ، وَمَرِضَ مِنْهُ، وَاشْتَدَّ مَرَضُهُ فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تَحَدَّثَ الْجُنْدُ بِإِقَامَةِ وَلَدِهِ أَبِي الْحُسَيْنِ أَحْمَدَ مَقَامَهُ، فَبَلَغَ ابْنَ أُخْتِ مُهَذِّبِ الدَّوْلَةِ، وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَنِّي، فَاسْتَدْعَى الدَّيْلَمَ وَالْأَتْرَاكَ، وَرَغَّبَهُمْ وَوَعَدَهُمْ، وَاسْتَحْلَفَهُمْ لِنَفْسِهِ، وَقَرَّرَ مَعَهُمُ الْقَبْضَ عَلَى أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ مُهَذِّبِ الدَّوْلَةِ وَتَسْلِيمِهِ إِلَيْهِ، فَمَضَوْا إِلَيْهِ لَيْلًا وَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ وَلَدُ الْأَمِيرِ، وَوَارِثُ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ، فَلَوْ قُمْتَ مَعَنَا إِلَى دَارِ الْإِمَارَةِ لِيَظْهَرَ أَمْرُكَ وَتَجْتَمِعَ الْكَلِمَةُ عَلَيْكَ لَكَانَ حَسَنًا.

فَخَرَجَ مِنْ دَارِهِ مَعَهُمْ، فَلَمَّا فَارَقَهَا قَبَضُوا عَلَيْهِ وَحَمَلُوهُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ، فَسَمِعَتْ وَالِدَتُهُ، فَدَخَلَتْ إِلَى مُهَذِّبِ الدَّوْلَةِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِيَوْمٍ، فَأَعْلَمَتْهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَقْدِرُ أَعْمَلُ وَأَنَا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ؟ وَتُوُفِّيَ فِي الْغَدِ، وَوَلِيَ الْأَمْرَ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَتَسَلَّمَ الْأَمْوَالَ وَالْبَلَدَ، وَأَمَرَ بِضَرْبِ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ مُهَذِّبِ الدَّوْلَةِ، فَضُرِبَ ضَرْبًا شَدِيدًا تُوُفِّيَ مِنْهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ مَوْتِ أَبِيهِ.

وَبَقِيَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَمِيرًا إِلَى مُنْتَصَفِ شَعْبَانَ، وَتُوُفِّيَ بِالذُّبَحَةِ، وَكَانَ قَدْ قَالَ قَبْلَ مَوْتِهِ: رَأَيْتُ مُهَذِّبَ الدَّوْلَةِ فِي الْمَنَامِ وَقَدْ مَسَكَ حَلْقِي لِيَخْنُقَنِي، وَيَقُولُ: قَتَلْتَ ابْنِي أَحْمَدَ، وَقَابَلْتَ نِعْمَتِي عَلَيْكَ بِذَاكَ. فَمَاتَ بَعْدَ أَيَّامٍ، فَكَانَ مُلْكُهُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ.

فَلَمَّا تُوُفِّيَ اتَّفَقَ الْجَمَاعَةُ عَلَى تَأْمِيرِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَكْرٍ الشَّرَابِيِّ، وَكَانَ مِنْ خَوَاصِّ مُهَذِّبِ الدَّوْلَةِ فَصَارَ أَمِيرَ الْبَطِيحَةِ، وَبَذَلَ لِلْمَلِكِ سُلْطَانِ الدَّوْلَةِ بُذُولًا، فَأَقَرَّهُ عَلَيْهَا، وَبَقِيَ إِلَى سَنَةِ عَشْرٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ سُلْطَانُ الدَّوْلَةِ صَدَقَةَ بْنَ فَارِسٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>