وَوَرَدَ عَلَيْهِ الْخَبَرُ بِاشْتِدَادِ الْفِتَنِ (بِبَغْدَاذَ، فَسَارَ إِلَيْهَا) ، فَدَخَلَهَا أَوَاخِرَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ، فَهَرَبَ مِنْهُ الْعَيَّارُونَ، وَنَفَى جَمَاعَةً مِنَ الْعَبَّاسِيِّينَ وَغَيْرَهُمْ، وَنَفَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنَ النُّعْمَانِ فَقِيهَ الشِّيعَةِ، وَأَنْزَلَ الدَّيْلَمَ أَطْرَافَ الْكَرْخِ وَبَابَ الْبَصْرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَفَعَلُوا مِنَ الْفَسَادِ مَا لَمْ يُشَاهَدْ مِثْلُهُ.
فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمَسْتُورِينَ أَغْلَقَ بَابَهُ عَلَيْهِ خَوْفًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا كَانَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ، فَرَآهُمْ عَلَى حَالٍ عَظِيمٍ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالْفَسَادِ، فَأَرَادَ الرُّجُوعَ إِلَى بَيْتِهِ، فَأَكْرَهُوهُ عَلَى الدُّخُولِ مَعَهُمْ إِلَى دَارٍ نَزَلُوهَا، وَأَلْزَمُوهُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَامْتَنَعَ فَصَبُّوهَا فِي فِيهِ قَهْرًا، وَقَالُوا لَهُ: قُمْ إِلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَافْعَلْ بِهَا، فَامْتَنَعَ فَأَلْزَمُوهُ فَدَخَلَ مَعَهَا إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ، وَأَعْطَاهَا دَرَاهِمَ، وَقَالَ: هَذَا أَوَّلُ يَوْمٍ فِي رَمَضَانَ، وَالْمَعْصِيَةُ فِيهِ تَتَضَاعَفُ، وَأُحِبُّ أَنْ تُخْبِرِيهِمْ أَنَّنِي قَدْ فَعَلْتُ. فَقَالَتْ: لَا كَرَامَةَ وَلَا عَزَازَةَ، أَنْتَ تَصُونُ دِينَكَ عَنِ الزِّنَاءِ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَصُونَ أَمَانَتِي فِي هَذَا الشَّهْرِ عَنِ الْكَذِبِ! فَصَارَتْ هَذِهِ الْحِكَايَةُ سَائِرَةً فِي بَغْدَاذَ.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ سَهْلَانَ أَفْسَدَ الْأَتْرَاكَ وَالْعَامَّةَ، فَانْحَدَرَ الْأَتْرَاكُ إِلَى وَاسِطٍ، فَلَقُوا بِهَا سُلْطَانَ الدَّوْلَةِ، فَشَكَوْا إِلَيْهِ فَسَكَّنَهُمْ وَوَعَدَهُمُ الْإِصْعَادَ إِلَى بَغْدَاذَ وَإِصْلَاحَ الْحَالِ.
وَاسْتَحْضَرَ سُلْطَانُ الدَّوْلَةِ ابْنَ سَهْلَانَ، فَخَافَهُ وَمَضَى إِلَى بَنِي خَفَاجَةَ ثُمَّ أَصْعَدَ إِلَى الْمَوْصِلِ فَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً، ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَى الْأَنْبَارِ وَمِنْهَا إِلَى الْبَطِيحَةِ. فَأَرْسَلَ سُلْطَانُ الدَّوْلَةِ إِلَى الْبَطِيحَةِ رَسُولًا مِنَ الشَّرَابِيِّ، فَلَمْ يُسَلِّمْهُ، فَسَيَّرَ إِلَيْهَا عَسْكَرًا فَانْهَزَمَ الشَّرَابِيُّ، وَانْحَدَرَ ابْنُ سَهْلَانَ إِلَى الْبَصْرَةِ، فَاتَّصَلَ بِالْمَلِكِ جَلَالِ الدَّوْلَةِ، وَكَانَ الرُّخَّجِيُّ قَدْ خَرَجَ مَعَ ابْنِ سَهْلَانَ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَفَارَقَهُ بِهَا، وَأَصْلَحَ حَالَهُ مَعَ سُلْطَانِ الدَّوْلَةِ وَعَادَ إِلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute