وَزِيرًا لِبَادِيسَ، وَالِدِ هَذَا الْمُعِزِّ، وَكَانَ عَظِيمَ الْقَدْرِ وَالْمَحَلِّ، وَهُوَ يَقُولُ لِي: اتَّقِ اللَّهَ، أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فِي النَّاسِ كَافَّةً، وَفِي نَفْسِكَ خَاصَّةً، فَقَدْ أَسَهَرْتَ عَيْنَيْكَ، وَأَبْرَمْتَ حَافِظَيْكَ، وَقَدْ بَدَا لِي مِنْكَ مَا خَفِيَ عَلَيْكَ، وَعَنْ قَلِيلٍ تَرِدُ عَلَى مَا وَرَدْنَا، وَتُقْدِمُ عَلَى مَا قَدِمْنَا. فَاكْتُبْ عَنِّي مَا أَقُولُ فَإِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا. فَأَمْلَى عَلَيَّ (هَذِهِ الْأَبْيَاتَ) :
وُلِّيتَ، وَقَدْ رَأَيْتَ مَصِيرَ قَوْمٍ ... هُمْ كَانُوا السَّمَاءَ وَكُنْتَ أَرْضَا
سَمَوْا دَرَجَ الْعُلَى حَتَّى اطْمَأَنُّوا ... وَهَدَّ بِهِمْ، فَعَادَ الرَّفْعُ خَفْضَا
وَأَعْظَمُ أُسْوَةٍ لَكَ بِي لِأَنِّي ... مَلَكْتُ وَلَمْ أَعِشْ طُولًا وَعَرْضَا
فَلَا تَغْتَرَّ بِالدُّنْيَا وَأَقْصِرْ ... فَإِنَّ أَوَانَ أَمْرِكَ قَدْ تَقَضَّى
قَالَ: فَانْتَبَهْتُ مَرْعُوبًا، وَرَسَخَتِ الْأَبْيَاتُ فِي حِفْظِي، فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ هَذَا الْمَنَامِ غَيْرُ شَهْرَيْنِ حَتَّى قُتِلَ.
وَلَمَّا وَصَلَ خَبَرُ قَتْلِهِ إِلَى أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بِطَرَابُلُسَ بَعَثَ إِلَى زِنَاتَةَ فَعَاهَدَهُمْ، وَأَدْخَلَهُمْ مَدِينَةَ طَرَابُلُسَ، فَقَتَلُوا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ صِنْهَاجَةَ وَسَائِرِ الْجَيْشِ، وَأَخَذُوا الْمَدِينَةَ. فَلَمَّا سَمِعَ الْمُعِزُّ ذَلِكَ أَخَذَ أَوْلَادَ عَبْدِ اللَّهِ وَنَفَرًا مِنْ أَهْلِهِمْ فَحَبَسَهُمْ، ثُمَّ قَتَلَهُمْ بَعْدَ أَيَّامٍ، لِأَنَّ نِسَاءَ الْمَقْتُولِينَ بِطَرَابُلُسَ اسْتَغَثْنَ إِلَى الْمُعِزِّ فِي قَتْلِهِمْ فَقَتَلَهُمْ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
وَفِيهَا كَانَ بِإِفْرِيقِيَّةَ غَلَاءٌ شَدِيدٌ، وَمَجَاعَةٌ عَظِيمَةٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهَا فِي تَعَذُّرِ الْأَقْوَاتِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ فِيهَا أَحَدٌ بِسَبَبِ الْجُوعِ، وَلَمْ يَجِدِ النَّاسُ كَبِيرَ مَشَقَّةٍ.
وَفِيهَا، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ اسْتَوْزَرَ مُشَرِّفُ الدَّوْلَةِ أَبَا الْحُسَيْنِ بْنَ الْحَسَنِ الرُّخَّجِيَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute