للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَثَارَ بِهِمُ الْأَرْمَنُ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ، وَأَعَانَهُمُ السَّنَاسِنَةُ، وَهُمْ مِنَ الْأَرْمَنِ أَيْضًا إِلَّا أَنَّهُمْ لَهُمْ حُصُونٌ مَنِيعَةٌ تُجَاوِرُ خِلَاطَ، وَهُمْ صُلْحٌ مَعَ صَاحِبِ خِلَاطَ.

(وَلَمْ تَزَلْ هَذِهِ الْحُصُونُ بِأَيْدِيهِمْ مُنْفَرِدِينَ بِهَا) ، إِلَّا أَنَّهُمْ مُتَعَاهِدُونَ إِلَى سَنَةِ ثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَمَلَكَهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ، وَأَزَالُوهُمْ عَنْهَا، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

فَلَمَّا اتَّفَقُوا مَعَ الْأَرْمَنِ مِنْ رَعِيَّةِ الْبِلَادِ أَخَذُوا الْحَاجَّ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ كَثِيرًا، وَأَسَرُوا، وَسَبَوْا، وَنَهَبُوا الْأَمْوَالَ، وَحَمَلُوا ذَلِكَ أَجْمَعَ إِلَى الرُّومِ، وَطَمِعَ الْأَرْمَنُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ، فَسَمِعَ نَصْرُ الدَّوْلَةِ بْنُ مَرْوَانَ الْخَبَرَ، فَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ وَعَزَمَ عَلَى غَزْوِهِمْ، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ، وَرَأَوْا جِدَّهُ فِيهِ رَاسَلَهُ مَلِكُ السَّنَاسِنَةِ، وَبَذَلَ إِعَادَةَ جَمِيعِ مَا أَخَذَ أَصْحَابُهُ، وَإِطْلَاقَ الْأَسْرَى وَالسَّبْيِ فَأَجَابَهُمْ إِلَى الصُّلْحِ، وَعَادَ عَنْهُمْ لِحَصَانَةِ قِلَاعِهِمْ، وَكَثْرَةِ الْمَضَايِقِ فِي بِلَادِهِمْ، وَلِأَنَّهُمْ بِالْقُرْبِ مِنَ الرُّومِ، فَخَافَ أَنْ يَسْتَنْجِدُوهُمْ وَيَمْتَنِعُوا بِهِمْ، فَصَالَحَهُمْ.

ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُعِزِّ وَزِنَاتَةَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ اجْتَمَعَتْ زِنَاتَةُ بِإِفْرِيقِيَّةَ، وَزَحَفَتْ فِي خَيْلِهَا وَرَجْلِهَا يُرِيدُونَ مَدِينَةَ الْمَنْصُورَةِ، فَلَقِيَهُمْ جُيُوشُ الْمُعِزِّ بْنِ بَادِيسَ، صَاحِبِهَا، بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ الْجَفْنَةُ قَرِيبٌ مِنَ الْقَيْرَوَانِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَانْهَزَمَتْ عَسَاكِرُ الْمُعِزِّ، فَفَارَقَتِ الْمَعْرَكَةَ، وَهُمْ عَلَى حَامِيَةٍ، ثُمَّ عَاوَدُوا الْقِتَالَ، وَحَرَّضَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَصَبَرَتْ صِنْهَاجَةُ، وَانْهَزَمَتْ زِنَاتَةُ هَزِيمَةً قَبِيحَةً، وَقُتِلَ مِنْهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ، وَأُسِرَ خَلْقٌ عَظِيمٌ، وَتُعْرَفُ هَذِهِ الْوَقْعَةُ بِوَقْعَةِ الْجَفْنَةِ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ لِعِظَمِهَا عِنْدَهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>