وَهُوَ بِقَرْيَةٍ بِظَاهِرِ سَرَخْسَ، وَالْغُزُّ بِظَاهِرِ مَرْوٍ مَعَ طُغْرُلْبَكَ، وَقَدْ بَلَغَهُمْ خَبَرُهُ، أَسْرَوْا إِلَيْهِ وَقَاتَلُوهُ يَوْمَ وَصَلُوا فَلَمَّا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ أَخَذَ سَبَاشِي مَا خَفَّ مِنْ مَالٍ وَهَرَبَ فِي خَوَاصِّهِ، وَتَرَكَ خِيَمَهُ وَنِيرَانَهُ عَلَى حَالِهَا، قِيلَ فَعَلَ ذَلِكَ مُوَاطَأَةً لِلْغُزِّ عَلَى الْهَزِيمَةِ، فَلَمَّا أَسْفَرَ الصُّبْحُ عَرَفَ الْبَاقُونَ مِنْ عَسْكَرِهِ خَبَرَهُ، فَانْهَزَمُوا، وَاسْتَوْلَى الْغُزُّ عَلَى مَا وَجَدُوهُ فِي مُعَسْكَرِهِمْ مِنْ سَوَادِهِمْ، وَقَتَلُوا مِنَ الْهُنُودِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا مَقْتَلَةً عَظِيمَةً.
وَأَسْرَى دَاوُدُ أَخُو طُغْرُلْبَكَ، وَهُوَ وَالِدُ السُّلْطَانِ أَلْبِ أَرْسِلَانَ، إِلَى نَيْسَابُورَ، وَسَمِعَ أَبُو سَهْلٍ الْحَمْدُونِيُّ وَمَنْ مَعَهُ بِهَا، فَفَارَقُوهَا، وَوَصَلَ دَاوُدُ وَمَنْ مَعَهُ إِلَيْهَا، فَدَخَلُوهَا بِغَيْرِ قِتَالٍ، وَلَمْ يُغَيِّرُوا شَيْئًا مِنْ أُمُورِهَا، وَوَصَلَ بَعْدَهُمْ طُغْرُلْبَكُ ثُمَّ وَصَلَتْ إِلَيْهِمْ رُسُلُ الْخَلِيفَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَكَانَ قَدْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَإِلَى الَّذِينَ بِالرَّيِّ وَهَمَذَانَ وَبَلَدِ الْجَبَلِ يَنْهَاهُمْ عَنِ النَّهْبِ وَالْقَتْلِ وَالْإِخْرَابِ، وَيَعِظُهُمْ، فَأَكْرَمُوا الرُّسُلَ، وَعَظَّمُوهُمْ، وَخَدَمُوهُمْ.
وَخَاطَبَ دَاوُدُ طُغْرُلْبَكَ فِي نَهْبِ الْبَلَدِ فَمَنَعَهُ فَامْتَنَعَ وَاحْتَجَّ بِشَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا انْسَلَخَ رَمَضَانُ صَمَّمَ دَاوُدُ عَلَى نَهْبِهِ، فَمَنَعَهُ طُغْرُلْبَكُ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِرُسُلِ الْخَلِيفَةِ وَكِتَابِهِ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ دَاوُدُ إِلَيْهِ، وَقَوِيَ عَزْمُهُ عَلَى النَّهْبِ، فَأَخْرَجَ طُغْرُلْبَكُ سِكِّينًا وَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ لَئِنْ نَهَبْتَ شَيْئًا لَأَقْتُلَنَّ نَفْسِي! فَكَفَّ عَنْ ذَلِكَ، وَعَدَلَ إِلَى التَّقْسِيطِ، فَقَسَّطَ عَلَى أَهْلِ نَيْسَابُورَ نَحْوَ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَفَرَّقَهَا فِي أَصْحَابِهِ.
وَأَقَامَ طُغْرُلْبَكُ بِدَارِ الْإِمَارَةِ، وَجَلَسَ عَلَى سَرِيرِ الْمَلِكِ مَسْعُودٍ، وَصَارَ يَقْعُدُ لِلْمَظَالِمِ يَوْمَيْنِ فِي الْأُسْبُوعِ عَلَى قَاعِدَةِ وُلَاةِ خُرَاسَانَ (وَسَيَّرَ أَخَاهُ دَاوُدَ إِلَى سَرَخْسَ فَمَلَكَهَا، ثُمَّ اسْتَوْلَوْا عَلَى سَائِرِ بِلَادِ خُرَاسَانَ سِوَى بَلْخَ، وَكَانُوا يَخْطُبُونَ لِلْمَلِكِ مَسْعُودٍ عَلَى سَبِيلِ الْمُغَالَطَةِ. وَكَانُوا ثَلَاثَةَ إِخْوَةٍ: طُغْرُلْبَكَ، وَدَاوُدَ، وَبِيغُو، وَكَانَ يَنَالُ، وَاسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ أَخَا طُغْرُلْبَكَ وَدَاوُدَ لِأُمِّهِمَا، ثُمَّ خَرَجَ مَسْعُودٌ مِنْ غَزْنَةَ وَكَانَ مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute