ذِكْرُ ظُهُورِ الْأَصْفَرِ وَأَسْرِهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ ظَهَرَ الْأَصْفَرُ التَّغْلَبِيُّ بِرَأْسِ عَيْنٍ، وَادَّعَى أَنَّهُ مِنَ الْمَذْكُورِينَ فِي الْكُتُبِ، وَاسْتَغْوَى قَوْمًا بِمَخَارِيقَ وَضَعَهَا، وَجَمَعَ جَمْعًا وَغَزَا نَوَاحِيَ الرُّومِ، فَظَفِرَ وَغَنِمَ وَعَادَ، وَظَهَرَ حَدِيثُهُ، وَقَوِيَ نَامُوسُهُ، وَعَاوَدُوا الْغَزْوَ فِي عَدَدٍ أَكْثَرَ مِنَ الْعَدَدِ الْأَوَّلِ، وَدَخَلَ نَوَاحِيَ الرُّومِ وَأَوْغَلَ، وَغَنِمَ أَضْعَافَ مَا غَنِمَهُ أَوَّلًا، حَتَّى بِيعَتِ الْجَارِيَةُ الْجَمِيلَةُ بِالثَّمَنِ الْبَخْسِ.
وَتَسَامَعَ النَّاسُ بِهِ فَقَصَدُوهُ، وَكَثُرَ جَمْعُهُ، وَاشْتَدَّتْ شَوْكَتُهُ، وَثَقُلَتْ عَلَى الرُّومِ وَطْأَتُهُ، فَأَرْسَلَ مِلْكُ الرُّومِ إِلَى نَصْرِ الدَّوْلَةِ بْنِ مَرْوَانَ يَقُولُ لَهُ: إِنَّكَ عَالِمٌ بِمَا بَيْنَنَا مِنَ الْمُوَادعَةِ وَقَدْ فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ هَذِهِ الْأَفَاعِيلَ، فَإِنْ كُنْتَ قَدْ رَجَعْتَ عَنِ الْمُهَادَنَةِ فَعَرِّفْنَا لِنُدَبِّرَ أَمْرَنَا بِحَسْبِهِ.
وَاتَّفَقَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنْ وَصْلَ رَسُولٌ مِنَ الْأَصْفَرِ إِلَى نَصْرِ الدَّوْلَةِ أَيْضًا، يُنْكِرُ عَلَيْهِ تَرْكَ الْغَزْوِ وَالْمَيْلِ إِلَى الدَّعَةِ، فَسَاءَهُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَاسْتَدْعَى قَوْمًا مِنْ بَنِي نُمَيْرٍ وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَثَارَ الرُّومَ عَلَيْنَا، وَلَا قُدْرَةَ لَنَا عَلَيْهِمْ. وَبَذَلَ لَهُمْ مَالًا عَلَى الْفَتْكِ بِهِ، فَسَارُوا إِلَيْهِ، فَقَرَّبَهُمْ وَلَازَمُوهُ، فَرَكِبَ يَوْمًا غَيْرَ مُتَحَرِّزٍ، فَأَبْعَدَ وَهُمْ مَعَهُ، فَعَطَفُوا عَلَيْهِ وَأَخَذُوهُ، وَحَمَلُوهُ إِلَى نَصْرِ الدَّوْلَةِ بْنِ مَرْوَانَ فَاعْتَقَلَهُ، وَتَلَافَى أَمْرَ الرُّومِ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تَجَدَّدَتِ الْهُدْنَةُ بَيْنَ صَاحِبِ مِصْرَ وَبَيْنَ الرُّومِ، وَحَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ هَدِيَّةً عَظِيمَة ً.
وَفِيهَا كَانَ بِبَغْدَاذَ وَالْمَوْصِلَ وَسَائِرِ الْبِلَادِ الْعِرَاقِيَّةِ وَالْجَزَرِيَّةِ (غَلَاءٌ عَظِيمٌ، حَتَّى أَكَلَ النَّاسُ الْمَيْتَةَ، وَتَبِعَهُ) وَبَاءٌ شَدِيدٌ مَاتَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى خَلَتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute