وَعُدِمَتِ الْأَقْوَاتُ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الْخَلِيفَةُ يَنْهَاهُمْ، فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَأَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ الِانْتِقَالَ عَنْ بَغْدَاذَ، فَلَمْ يُزْجَرُوا.
هَذَا جَمِيعُهُ وَالْبَسَاسِيرِيُّ غَيْرُ رَاضٍ بِفِعْلِهِمْ، وَهُوَ مُقِيمٌ بِدَارِ الْخَلِيفَةِ. وَتَرَدَّدَ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ ظَهَرَ الْوَزِيرُ، وَقَامَ لَهُمْ بِالْبَاقِي مِنْ مَالِهِمْ مِنْ مَالِهِ وَأَثْمَانِ دَوَابِّهِ وَغَيْرِهَا، وَلَمْ زَالُوا فِي خَبْطٍ وَعَسَفٍ، فَعَادَ طَمَعُ الْأَكْرَادِ وَالْأَعْرَابِ أَشَدَّ مِنْهُ أَوَّلًا، وَعَاوَدُوا الْغَارَةَ وَالنَّهْبَ وَالْقَتْلَ، فَخُرِّبَتِ الْبِلَادُ وَتَفَرَّقَ أَهْلُهَا.
وَانْحَدَرَ أَصْحَابُ قُرَيْشِ بْنِ بَدْرَانَ مِنَ الْمَوْصِلِ طَامِعِينَ، فَكَبَسُوا حُلَلَ كَامِلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَهِيَ بِالْبَرَدَانِ، فَنَهَبُوهَا، وَبِهَا دَوَابُّ وَجِمَالٌ بَخَاتِيٌّ لِلْبَسَاسِيرِيِّ، فَأَخَذُوا الْجَمِيعَ، وَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى بَغْدَاذَ، فَازْدَادَ خَوْفُ النَّاسِ مِنَ الْعَامَّةِ وَالْأَتْرَاكِ، وَعَظُمَ انْحِلَالُ أَمْرِ السَّلْطَنَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذَا مِنْ ضَرَرِ الْخِلَاف ِ.
ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ طُغْرُلْبَك عَلَى أَذْرَبِيجَانَ وَغَزْوِ الرُّومِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ طُغْرُلْبَك إِلَى أَذْرَبِيجَانَ، فَقَصَدَ تَبْرِيزَ، وَصَاحِبُهَا الْأَمِيرُ أَبُو مَنْصُورٍ وَهْسُوذَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوَّادِيُّ، فَأَطَاعَهُ وَخَطَبَ لَهُ وَحَمَلَ إِلَيْهِ مَا أَرْضَاهُ بِهِ، وَأَعْطَاهُ وَلَدَهُ رَهِينَةً، فَسَارَ طُغْرُلْبَك عَنْهُ إِلَى الْأَمِيرِ أَبِي الْأَسْوَارِ صَاحِبِ جَنْزَةَ، فَأَطَاعَهُ أَيْضًا وَخَطَبَ لَهُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ تِلْكَ النَّوَاحِي أَرْسَلُوا إِلَيْهِ يَبْذُلُونَ الطَّاعَةَ وَالْخُطْبَة َ.
وَانْقَادَتِ الْعَسَاكِرُ إِلَيْهِ، فَأَبْقَى بِلَادَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَأَخَذَ رَهَائِنَهُمْ، وَسَارَ إِلَى أَرْمِينِيَّةَ، وَقَصَدَ مَلَازْكِرْدَ، وَهِيَ لِلرُّومِ، فَحَصَرَهَا وَضَيَّقَ عَلَى أَهْلِهَا، وَنَهَبَ مَا جَاوَرَهَا مِنَ الْبِلَادِ وَأَخْرَبَهَا، وَهِيَ مَدِينَةٌ حَصِينَةٌ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ نَصْرُ الدَّوْلَةِ بْنُ مَرْاوَنَ صَاحِبُ دِيَارِ بَكْرٍ الْهَدَايَا الْكَثِيرَةَ وَالْعَسَاكِرَ، وَقَدْ كَانَ خَطَبَ لَهُ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ وَأَطَاعَهُ، وَأَثَّرَ السُّلْطَانُ طُغْرُلْبَك فِي غَزْوِ الرُّومِ آثَارًا عَظِيمَةً، وَنَالَ مِنْهُمْ مِنَ النَّهْبِ وَالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ شَيْئًا كَثِيرًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute