ذِكْرُ قَتْلِ أَبِي حَرْبِ بْنِ مَرْوَانَ صَاحِبِ الْجَزِيرَةِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ الْأَمِيرُ أَبُو حَرْبٍ سُلَيْمَانُ بْنُ نَصْرِ الدَّوْلَةِ بْنِ مَرْوَانَ، وَكَانَ وَالِدُهُ قَدْ سَلَّمَ إِلَيْهِ الْجَزِيرَةَ وَتِلْكَ النَّوَاحِيَ لِيُقِيمَ بِهَا وَيَحْفَظَهَا، وَكَانَ شُجَاعًا مِقْدَامًا، فَاسْتَبَدَّ بِالْأَمْرِ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ، فَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمِيرِ مُوسَكَ بْنِ الْمُجَلِّي ابْنِ زَعِيمِ الْأَكْرَادِ الْبُخْتِيَّةِ، وَلَهُ حُصُونٌ مَنِيعَةٌ شَرْقِيَّ الْجَزِيرَةِ - نَفْرَةٌ.
ثُمَّ رَاسَلَهُ أَبُو حَرْبٍ وَاسْتَمَالَهُ، وَسَعَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَةَ الْأَمِيرِ أَبِي طَاهِرٍ الْبَشْنَوِيِّ، صَاحِبِ قَلْعَةِ فَنَكَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْحُصُونِ، وَكَانَ أَبُو طَاهِرٍ هَذَا ابْنَ أُخْتِ نَصْرِ الدَّوْلَةِ بْنِ مَرْوَانَ، فَلَمْ يُخَالِفْ أَبُو طَاهِرٍ صَاحِبُ فَنَكَ أَبَا حَرْبٍ فِي الَّذِي أَشَارَ بِهِ مِنْ تَزْوِيجِ الْأَمِيرِ مُوسَكَ، فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ وَنَقَلَهَا إِلَيْهِ، فَاطْمَأَنَّ حِينَئِذٍ مُوسَكُ، وَسَارَ إِلَى سُلَيْمَانَ، فَغَدَرَ بِهِ وَقَبَضَ عَلَيْهِ وَحَبَسَهُ.
وَوَصَلَ السُّلْطَانُ طُغْرُلْبَك إِلَى تِلْكَ الْأَعْمَالِ لَمَّا تَوَجَّهَ إِلَى غَزْوِ الرُّومِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى نَصْرِ الدَّوْلَةِ يَشْفَعُ فِي مُوسَكَ، فَأَظْهَرَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى حَمِيهِ أَبِي طَاهِرٍ الْبَشْنَوِيِّ، وَأَرْسَلَ إِلَى نَصْرِ الدَّوْلَةِ وَابْنِهِ سُلَيْمَانَ فَقَالَ لَهُمَا: حَيْثُ أَرَدْتُمَا قَتْلَهُ، فَلِمَ جَعَلْتُمَا ابْنَتِي طَرِيقًا إِلَى ذَلِكَ، وَقَلَّدْتُمُونِيَ الْعَارَ؟ وَتَنَكَّرَ لَهُمَا وَخَافَهُ أَبُو حَرْبٍ، فَوَضَعَ عَلَيْهِ مَنْ سَقَاهُ سُمًّا، فَقَتَلَهُ.
وَوُلِيَ بَعْدَهُ ابْنُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ، فَأَظْهَرَ لَهُ أَبُو حَرْبٍ الْمَوَدَّةَ اسْتِصْلَاحًا لَهُ، وَتَبَرُّؤًا إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَا قِيلَ عَنْهُ، وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ وَتَجْدِيدِ الْأَيْمَانِ، فَنَزَلُوا مِنْ فَنَكَ، وَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَبُو حَرْبٍ مِنَ الْجَزِيرَةِ فِي نَفَرٍ قَلِيلٍ، فَقَتَلُوهُ.
وَعَرَفَ وَالِدُهُ ذَلِكَ، فَأَقْلَقَهُ وَأَزْعَجَهُ، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ نَصْرًا إِلَى الْجَزِيرَةِ لِيَحْفَظَ تِلْكَ النَّوَاحِيَ، وَيَأْخُذَ بِثَأْرِ أَخِيهِ، وَسَيَّرَ مَعَهُ جَيْشًا كَثِيفًا.
وَكَانَ الْأَمِيرُ قُرَيْشُ بْنُ بَدْرَانَ، صَاحِبُ الْمَوْصِلِ، لَمَّا سَمِعَ قَتْلَ أَبِي حَرْبٍ انْتَهَزَ الْفُرْصَةَ، وَسَارَ إِلَى الْجَزِيرَةِ لِيَمْلِكَهَا، وَكَاتَبَ الْبُخْتِيَّةَ وَالْبَشْنَوِيَّةَ، وَاسْتَمَالَهُمْ، فَنَزَلُوا إِلَيْهِ وَاجْتَمَعُوا مَعَهُ عَلَى قِتَالِ نَصْرِ بْنِ مَرْوَانَ، فَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا كَثُرَ فِيهِ الْقَتْلَى، وَصَبَرَ الْفَرِيقَانِ، فَكَانَتِ الْغَلَبَةُ أَخِيرًا لِابْنِ مَرْوَانَ، وَجُرِحَ قُرَيْشٌ جِرَاحَةً قَوِيَّةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute