فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْإِمَامِ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَأَوْصَلَ خَاتُونَ زَوْجَةَ الْخَلِيفَةِ إِلَى دَارِهَا، وَأَنْهَى حُضُورَهُ وَحُضُورَ مِنْ مَعَهُ، ذَكَرَ حَالَ الْوَصْلَةِ، فَامْتَنَعَ الْخَلِيفَةُ مِنَ الْإِجَابَةِ إِلَيْهَا وَقَالَ: إِنْ أُعْفِينَا، وَإِلَّا خَرَجْنَا مِنْ بَغْدَاذَ.
فَقَالَ عَمِيدُ الْمُلْكِ: كَانَ الْوَاجِبُ الِامْتِنَاعَ مِنْ غَيْرِ اقْتِرَاحٍ، وَعِنْدَ الْإِجَابَةِ إِلَى مَا طَلَبَ، فَالِامْتِنَاعُ سَعْيٌ عَلَى دَمِي، وَأَخْرَجَ خِيَامَهُ إِلَى النَّهْرَوَانِ، فَاسْتَوْقَفَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ، وَالشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورِ بْنُ يُوسُفَ، وَأَنْهَيَا إِلَى الْخَلِيفَةِ عَاقِبَةَ انْصِرَافِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَصَنَعَ لَهُ ابْنُ دَارَسَتْ وَزِيرُ الْخَلِيفَةِ (دَعْوَةً فَحَضَرَ عِنْدَهُ) ، فَرَأَى عَلَى مَسْجِدٍ مَكْتُوبًا: مُعَاوِيَةُ خَالُ عَلِيٍّ، فَأَمَرَ بِحَكِّهِ.
وَكَتَبَ مِنَ الدِّيوَانِ إِلَى خُمَارَتِكِينَ الطُّغْرَائِيِّ كِتَابًا يَتَضَمَّنُ الشَّكْوَى مِنْ عَمِيدِ الْمُلْكِ، فَوَرَدَ الْجَوَابُ عَلَيْهِ بِالرِّفْقِ، وَكَتَبَ الْخَلِيفَةُ إِلَى عَمِيدِ الْمُلْكِ: نَحْنُ نَرُدُّ الْأَمْرَ إِلَى رَأْيِكَ، وَنُعَوِّلُ عَلَى أَمَانَتِكَ وَدِينِكَ.
فَحَضَرَ يَوْمًا عِنْدَ الْخَلِيفَةِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ، وَالْحُجَّابِ، وَالْقُضَاةِ وَالشُّهُودِ، فَأَخَذَ الْمَجْلِسَ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ سِوَاهُ، وَقَالَ لِلْخَلِيفَةِ: أَسْأَلُ مَوْلَانَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ التَّطَوُّلَ بِذِكْرِ مَا شَرُفَ بِهِ الْعَبْدُ الْمُخْلِصُ شَاهِنْشَاهْ، رُكْنُ الدِّينِ، فِيمَا رَغِبَ فِيهِ لِيَعْرِفَهُ الْجَمَاعَةُ.
فَغَالَطَهُ، وَقَالَ: قَدْ سُطِّرَ فِي الْمَعْنَى مَا فِيهِ كِفَايَةٌ. فَانْصَرَفَ عَمِيدُ الْمُلْكِ مَغِيظًا، وَرَحَلَ فِي السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَأَخَذَ الْمَالَ مَعَهُ إِلَى هَمَذَانَ، وَعَرَفَ السُّلْطَانُ أَنَّ السَّبَبَ فِي اتِّفَاقِ الْحَالِ مِنْ خُمَارَتِكِينَ الطُّغْرَائِيِّ، فَتَغَيَّرَ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ، فَهَرَبَ فِي سِتَّةِ غِلْمَانٍ.
وَكَتَبَ السُّلْطَانُ إِلَى قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورِ بْنِ يُوسُفَ يَعْتِبُ وَيَقُولُ: هَذَا جَزَاءٌ مِنَ الْخَلِيفَةِ الَّذِي قَتَلْتُ أَخِي فِي خِدْمَتِهِ، وَأَنْفَقْتُ أَمْوَالِي فِي نُصْرَتِهِ، وَأَهْلَكْتُ خَوَاصِّي فِي مَحَبَّتِهِ. وَأَطَالَ الْعِتَابَ، وَعَادَ الْجَوَابُ إِلَيْهِ بِالِاعْتِذَارِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute