الْحِجَّةِ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، (وَعَلَى هَذَا يَكُونُ عُمْرُهُ سِتًّا وَسَبْعِينَ سَنَةً وَتِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا.
وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ تُسَمَّى قَطْرَ النَّدَى، أَرْمَنِيَّةٌ، وَقِيلَ رُومِيَّةٌ، أَدْرَكَتْ خِلَافَتَهُ، وَقِيلَ اسْمُهَا عَلَمُ. وَمَاتَتْ فِي رَجَبٍ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ.
وَكَانَ الْقَائِمُ جَمِيلًا، مَلِيحَ الْوَجْهِ، أَبْيَضَ، مُشْرَبًا حُمْرَةً، حَسَنَ الْجِسْمِ، وَرِعًا، دَيِّنًا، زَاهِدًا، عَالِمًا قَوِيَّ الْيَقِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، كَثِيرَ الصَّبْرِ، وَكَانَ لِلْقَائِمِ عِنَايَةٌ بِالْأَدَبِ، وَمَعْرِفَةٌ حَسَنَةٌ بِالْكِتَابَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يَرْتَضِي أَكْثَرَ مَا يُكْتَبُ مِنَ الدِّيوَانِ، فَكَانَ يُصْلِحُ فِيهِ أَشْيَاءَ، وَكَانَ مُؤْثِرًا لِلْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ يُرِيدُ قَضَاءَ حَوَائِجِ النَّاسِ، لَا يَرَى الْمَنْعَ مِنْ شَيْءٍ يُطْلَبُ مِنْهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَامِرٍ الْوَكِيلُ: دَخَلْتُ يَوْمًا إِلَى الْمَخْزَنِ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا أَعْطَانِي قَصَّةً، فَامْتَلَأَتْ أَكْمَامِي مِنْهَا، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ كَانَ الْخَلِيفَةُ أَخِي لَأَعْرَضَ عَنْ هَذِهِ كُلِّهَا، فَأَلْقَيْتُهَا فِي بِرْكَةٍ، وَالْقَائِمُ يَنْظُرُ وَلَا أَشْعُرُ، فَلَمَّا دَخَلْتُ إِلَيْهِ أَمَرَ الْخَدَمِ بِإِخْرَاجِ الرِّقَاعِ مِنَ الْبِرْكَةِ، فَأُخْرِجَتْ، وَوَقَفَ عَلَيْهَا، وَوَقَعَ فِيهَا بِأَغْرَاضِ أَصْحَابِهَا، ثُمَّ قَالَ لِي: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ فَقُلْتُ: خَوْفَ الضَّجَرِ مِنْهَا، فَقَالَ: لَا تَعُدْ إِلَى مِثْلِهَا! فَإِنَّا مَا أَعْطَيْنَاهُمْ مِنْ أَمْوَالِنَا شَيْئًا، إِنَّمَا نَحْنُ وُكَلَاءُ.
وَوَزَرَ لِلْقَائِمِ أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، وَأَبُو الْفَتْحِ بْنُ دَارَسَتْ، وَرَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ، وَأَبُو نَصْرِ بْنُ جَهِيرٍ، وَكَانَ قَاضِيَهُ ابْنُ مَاكُولَا، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدَّامَغَانِيُّ.
ذِكْرُ خِلَافَةِ الْمُقْتَدِي بِأَمْرِ اللَّهِ.
لَمَّا تُوُفِّيَ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ بُويِعَ الْمُقْتَدِي بِأَمْرِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَائِمِ بِالْخِلَافَةِ، وَحَضَرَ مُؤَيِّدُ الْمُلْكِ بْنُ نِظَامِ الْمُلْكِ، وَالْوَزِيرُ فَخْرُ الدَّوْلَةِ بْنُ جَهِيرٍ وَابْنُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute