للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُنْهَزِمًا إِلَى الشَّامِ فِي نَفَرٍ قَلِيلٍ مِنْ عَسْكَرِهِ، فَوَصَلَ إِلَى الرَّمْلَةِ، ثُمَّ سَارَ مِنْهَا إِلَى دِمَشْقَ.

وَحَكَى لِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ فُضَلَاءِ مِصْرَ: أَنَّ أَتْسِزْ لَمَّا وَصَلَ إِلَى مِصْرَ وَنَزَلَ بِظَاهِرِ الْقَاهِرَةِ أَسَاءَ أَصْحَابُهُ السِّيرَةَ فِي النَّاسِ، وَظَلَمُوهُمْ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، وَفَعَلُوا الْأَفَاعِيلَ الْقَبِيحَةَ، فَأَرْسَلَ رُؤَسَاءُ الْقُرَى وَمُقَدِّمُوهَا إِلَى الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَنْصِرِ بِاللَّهِ الْعَلَوِيِّ يَشْكُونَ إِلَيْهِ مَا نَزَلَ بِهِمْ، فَأَعَادَ الْجَوَابَ بِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ دَفْعِ هَذَا الْعَدُوِّ، فَقَالُوا لَهُ: نَحْنُ نُرْسِلُ إِلَيْكَ مَنْ عِنْدِنَا مِنَ الرِّجَالِ الْمُقَاتَلَةِ يَكُونُونَ مَعَكَ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ سِلَاحٌ تُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِكَ سِلَاحًا، وَعَسْكَرُ هَذَا الْعَدُوِّ قَدْ أَمِنُوا، وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ، فَنَثُورُ بِهِمْ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَنَقْتُلُهُمْ، وَتَخْرُجُ أَنْتَ إِلَيْهِ فِيمَنِ اجْتَمَعَ عِنْدَكَ مِنَ الرِّجَالِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ بِكَ قُوَّةٌ. فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ.

وَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ الرِّجَالَ، وَثَارُوا كُلُّهُمْ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِمَنْ عِنْدَهُمْ، فَأَوْقَعُوا بِهِمْ، وَقَتَلُوهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فِي عَسْكَرِهِ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ الْعَسْكَرُ الَّذِي عِنْدَ الْمُسْتَنْصِرِ بِالْقَاهِرَةِ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الثَّبَاتِ لَهُمْ، فَوَلَّى مُنْهَزِمًا، وَعَادَ إِلَى الشَّامِ، وَكُفِيَ أَهْلُ مِصْرَ شَرَّهُ وَظُلْمَهُ.

ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ.

فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَرَدَ بَغْدَاذَ أَبُو نَصْرِ ابْنُ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ حَاجًّا وَجَلَسَ فِي الْمَدْرَسَةِ النِّظَامِيَّةِ يَعِظُ النَّاسَ، وَفِي رِبَاطِ شَيْخِ الشُّيُوخِ وَجَرَى لَهُ مَعَ الْحَنَابِلَةِ فِتَنٌ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيِّ، وَنَصَرَهُ، وَكَثُرَ أَتْبَاعُهُ وَالْمُتَعَصِّبُونَ لَهُ، وَقَصَدَ خُصُومُهُ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ، سُوقَ الْمَدْرَسَةِ النِّظَامِيَّةِ وَقَتَلُوا جَمَاعَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>