نَفْسَهُ مِنْ دَابَّةٍ كَانَ عَلَيْهَا، وَقَبَّلَ يَدَ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ، فَقَبَّلَ أَبُو إِسْحَاقَ رِجْلَهُ، وَأَقْعَدَهُ مَوْضِعَهُ، وَجَلَسَ أَبُو إِسْحَاقَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَظْهَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ تَعْظِيمِ صَاحَبِهِ كَثِيرًا، وَأَعْطَاهُ شَيْئًا مِنْ حِنْطَةٍ ذُكِرَ أَنَّهَا مِنْ عَهْدِ أَبِي يَزِيدَ الْبِسْطَامِيِّ، فَفَرِحَ بِهَا أَبُو إِسْحَاقَ.
ذِكْرُ حَصَرِ شَرَفِ الدَّوْلَةِ دِمَشْقَ وَعَوْدِهِ عَنْهَا.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ جَمَعَ تَاجُ الدَّوْلَةِ تُتُشْ جَمْعًا كَثِيرًا، وَسَارَ عَنْ بَغْدَاذَ، وَقَصَدَ بِلَادَ الرُّومِ: (أَنْطَاكِيَةَ وَمَا جَاوَرَهَا) ، فَسَمِعَ شَرَفُ الدَّوْلَةِ، صَاحِبُ حَلَبَ، الْخَبَرَ، فَخَافَهُ، فَجَمَعَ أَيْضًا الْعَرَبَ مِنْ عُقَيْلٍ، وَالْأَكْرَادَ، وَغَيْرَهُمْ، فَاجْتَمَعَ مَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ، فَرَاسَلَ الْخَلِيفَةَ بِمِصْرَ يَطْلُبُ مِنْهُ إِرْسَالَ نَجْدَةٍ إِلَيْهِ لِيَحْصُرَ دِمَشْقَ، فَوَعَدَهُ ذَلِكَ فَسَارَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا سَمِعَ تُتُش الْخَبَرَ عَادَ إِلَى دِمَشْقَ، فَوَصَلَهَا أَوَّلَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] ، وَوَصَلَ شَرَفُ الدَّوْلَةِ أَوَاخِرَ الْمُحَرَّمِ، وَحَصَرَ الْمَدِينَةَ وَقَاتَلَهُ أَهْلُهَا.
وَفِي بَعْضِ الْأَيَّامِ خَرَجَ إِلَيْهِ عَسْكَرُ دِمَشْقَ وَقَاتَلُوهُ، وَحَمَلُوا عَلَى عَسْكَرِهِ حَمْلَةً صَادِقَةً، فَانْكَشَفُوا وَتَضَعْضَعُوا، وَانْهَزَمْتِ الْعَرَبُ، وَثَبَتَ شَرَفُ الدَّوْلَةِ، وَأَشْرَفَ عَلَى الْأَسْرِ وَتَرَاجَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ، فَلَمَّا رَأَى شَرَفُ الدَّوْلَةِ ذَلِكَ، وَرَأَى أَيْضًا أَنَّ مِصْرَ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ مِنْهَا عَسْكَرٌ، وَأَتَاهُ عَنْ بِلَادِهِ (الْخَبَرُ أَنَّ أَهْلَ حَرَّانَ عَصَوْا عَلَيْهِ) رَحَلَ عَنْ دِمَشْقَ إِلَى بِلَادِهِ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ الْبِلَادَ بِفَلَسْطِينَ، فَرَحَلَ أَوَّلًا إِلَى مَرْجِ الصُّفَّرِ، فَارْتَاعَ أَهْلُ دِمَشْقَ وَتُتُش وَاضْطَرَبُوا، ثُمَّ إِنَّهُ رَحَلَ مِنْ مَرْجِ الصُّفَّرِ مُشَرِّقًا فِي الْبَرِّيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute