ذِكْرُ قَتْلِ شَرَفِ الدَّوْلَةِ وَمُلْكِ أَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ.
قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مُلْكِ سُلَيْمَانَ بْنِ قُتُلْمِشْ مَدِينَةَ أَنْطَاكِيَةَ، فَلَمَّا مَلَكَهَا أَرْسَلَ إِلَيْهِ شَرَفُ الدَّوْلَةِ مُسْلِمُ بْنُ قُرَيْشٍ ; يَطْلُبُ مِنْهُ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ إِلَيْهِ الْفِرْدَوْسُ مِنَ الْمَالِ، وَيُخَوِّفُهُ مَعْصِيَةَ السُّلْطَانِ، فَأَجَابَهُ:
أَمَّا طَاعَةُ السُّلْطَانِ، فَهِيَ شِعَارِي، وَدِثَارِي وَالْخُطْبَةُ لَهُ، وَالسِّكَّةُ فِي بِلَادِي، وَقَدْ كَاتَبْتُهُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيَّ بِسَعَادَتِهِ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ، وَأَعْمَالِ الْكُفَّارِ.
وَأَمَّا الْمَالُ الَّذِي كَانَ يَحْمِلُهُ صَاحِبُ أَنْطَاكِيَةَ قَبْلِي، فَهُوَ كَانَ كَافِرًا، وَكَانَ يَحْمِلُ جِزْيَةَ رَأْسِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَأَنَا بِحَمْدِ اللَّهِ مُؤْمِنٌ، وَلَا أَحْمِلُ شَيْئًا، فَنَهَبَ شَرَفُ الدَّوْلَةِ بَلَدَ أَنْطَاكِيَةَ، فَنَهَبَ سُلَيْمَانُ أَيْضًا بَلَدَ حَلَبَ، فَلَقِيَهُ أَهْلُ السَّوَادِ يَشْكُونَ إِلَيْهِ نَهْبَ عَسْكَرِهِ، فَقَالَ:
أَنَا كُنْتُ أَشَدَّ كَرَاهِيَةً لِمَا يَجْرِي، وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ أَحْوَجَنِي إِلَى مَا فَعَلْتُ وَلَمْ تَجْرِ عَادَتِي بِنَهْبِ مَالِ مُسْلِمٍ، وَلَا أَخْذِ مَا حَرَّمَتْهُ الشَّرِيعَةُ. وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِإِعَادَةِ مَا أَخَذُوهُ مِنْهُمْ فَأَعَادَهُ.
ثُمَّ إِنَّ شَرَفَ الدَّوْلَةِ جَمَعَ الْجُمُوعَ مِنَ الْعَرَبِ وَالتُّرْكُمَانِ وَكَانَ مِمَّنْ مَعَهُ جُبُقْ أَمِيرُ التُّرْكُمَانِ فِي أَصْحَابِهِ، وَسَارَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ لِيَحْصُرَهَا. فَلَمَّا سَمِعَ سُلَيْمَانُ الْخَبَرَ جَمَعَ عَسَاكِرَهُ وَسَارَ إِلَيْهِ، فَالْتَقَيَا فِي الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ فِي طَرَفٍ مِنْ أَعْمَالِ أَنْطَاكِيَةَ، وَاقْتَتَلُوا، فَمَالَ تَرْكُمَانُ جُبُقْ إِلَى سُلَيْمَانَ، فَانْهَزَمَتِ الْعَرَبُ وَتَبِعَهُمْ شَرَفُ الدَّوْلَةِ مُنْهَزِمًا، فَقُتِلَ بَعْدَ أَنْ صَبَرَ، وَقُتِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَرْبَعُمِائَةِ غُلَامٍ مِنْ أَحْدَاثِ حَلَبَ، وَكَانَ قَتْلُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الرَّابِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] وَذَكَرْتُهُ هَاهُنَا لِتَتْبَعَ الْحَادِثَةُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
وَكَانَ أَحْوَلَ، وَكَانَ قَدْ مَلَكَ مِنَ السَّنْدِيَّةِ الَّتِي عَلَى نَهْرِ عِيسَى إِلَى مَنْبِجَ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute