مَعَهُ الْمُعْتَمِدُ بْنُ عَبَّادٍ فِي عَسْكَرِهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُلَكِّين الصَّنْهَاجِيُّ، صَاحِبُ غَرْنَاطَةَ، فِي عَسْكَرِهِ، وَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى لِيطٍ، وَهُوَ حِصْنٌ مَنِيعٌ بِيَدِ الْفِرِنْجِ، فَحَصَرُوهُ حَصْرًا شَدِيدًا فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى فَتْحِهِ، فَرَحَلُوا عَنْهُ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنَ الْفِرِنْجِ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي الْعَامِ الْمَاضِي، فَعَادَ ابْنُ عَبَّادٍ إِلَى إِشْبِيلِيَّةَ، وَعَادَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى غَرْنَاطَةَ، وَهِيَ طَرِيقُهُ، وَمَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُلَكِّينْ، فَغَدَرَ بِهِ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ، وَأَخَذَ غَرْنَاطَةَ مِنْهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا، فَرَأَى فِي قُصُورِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالذَّخَائِرِ مَا لَمْ يَحْوِهِ مَلِكٌ قَبْلَهُ بِالْأَنْدَلُسِ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا وَجَدَهُ سُبْحَةٌ فِيهَا أَرْبَعُمِائَةِ جَوْهَرَةٍ، قُوِّمَتْ كُلُّ جَوْهَرَةٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَمِنَ الْجَوَاهِرِ مَا لَهُ قِيمَةٌ جَلِيلَةٌ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الثِّيَابِ وَالْعُدَدِ وَغَيْرِهَا، وَأَخَذَ مَعَهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَأَخَاهُ تَمِيمًا ابْنِي بُلَكِّينْ إِلَى مَرَّاكُشَ، فَكَانَتْ غَرْنَاطَةُ أَوَّلَ مَا مَلَكَهُ مِنْ بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ سَبَبَ دُخُولِ صَنْهَاجَةَ إِلَى الْأَنْدَلُسِ، وَعَوْدِ مَنْ عَادَ مِنْهُمْ إِلَى الْمُعِزِّ بِإِفْرِيقِيَّةَ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ بِالْأَنْدَلُسِ عَبْدُ اللَّهِ هَذَا، وَأُخِذَتْ مَدِينَتُهُ، وَرَحَلَ إِلَى الْعُدْوَةِ.
وَلَمَّا رَجَعَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مُرَّاكِشَ أَطَاعَهُ مَنْ كَانَ لَمْ يُطِعْهُ مِنْ بِلَادِ السُّوسِ، وَوَرْغَةَ، وَقَلْعَةِ مَهْدِيٍّ، وَقَالَ لَهُ عُلَمَاءُ الْأَنْدَلُسِ إِنَّهُ لَيْسَتْ طَاعَتُهُ بِوَاجِبَةٍ حَتَّى يَخْطُبَ لِلْخَلِيفَةِ، وَيَأْتِيَهُ تَقْلِيدٌ مِنْهُ بِالْبِلَادِ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ الْمُقْتَدِي بِأَمْرِ اللَّهِ بِبَغْدَاذَ، فَأَتَاهُ الْخِلَعُ، وَالْأَعْلَامُ، وَالتَّقْلِيدُ، وَلُقِّبَ بِأَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ، وَنَاصِرِ الدِّينِ.
ذِكْرُ دُخُولِ السُّلْطَانِ إِلَى بَغْدَاذَ.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ دَخَلَ السُّلْطَانُ مَلِكْشَاهْ بَغْدَاذَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، بَعْدَ أَنْ فَتَحَ حَلَبَ وَغَيْرَهَا مِنْ بِلَادِ الشَّامِ، وَالْجَزِيرَةِ، وَهِيَ أَوَّلُ قَدْمَةٍ قَدِمَهَا، وَنَزَلَ بِدَارِ الْمَمْلَكَةِ، وَرَكِبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute