الْمُلْكِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي تُرْكَانَ خَاتُونَ، زَوْجَةُ السُّلْطَانِ مَلِكْشَاهْ، وَكَانَ صَبِيًّا ظَالِمًا، قَبِيحَ السِّيرَةِ، يُكْثِرُ مُصَادَرَةَ الرَّعِيَّةِ، فَنَفَرُوا مِنْهُ وَكَتَبُوا إِلَى السُّلْطَانِ سِرًّا يَسْتَغِيثُونَ بِهِ، وَيَسْأَلُونَهُ الْقُدُومَ عَلَيْهِمْ لِيَمْلِكَ بِلَادَهُمْ، وَحَضَرَ الْفَقِيهُ أَبُو طَاهِرِ بْنُ عَلَّكٍ الشَّافِعِيُّ عِنْدَ السُّلْطَانِ شَاكِيًا، وَكَانَ يَخَافُ مِنْ أَحْمَدَ خَانِ لِكَثْرَةِ مَالِهِ، فَأَظْهَرَ السَّفَرَ لِلتِّجَارَةِ وَالْحَجِّ، فَاجْتَمَعَ بِالسُّلْطَانِ، وَشَكَا إِلَيْهِ، وَأَطْمَعَهُ فِي الْبِلَادِ. فَتَحَرَّكَتْ دَوَاعِي السُّلْطَانِ إِلَى مَلْكِهَا، فَسَارَ مِنْ أَصْبَهَانَ.
وَكَانَ قَدْ وَصَلَ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِيهَا، رَسُولُ مَلِكِ الرُّومِ، وَمَعَهُ الْخَرَاجُ الْمُقَرَّرُ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ نِظَامُ الْمُلْكِ مَعَهُمْ إِلَى مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَحَضَرَ فَتْحَ الْبِلَادِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى كَاشْغَرَ أَذِنَ لَهُ نِظَامُ الْمُلْكِ فِي الْعَوْدِ إِلَى بِلَادِهِ، وَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ يُذْكَرَ عَنَّا فِي التَّوَارِيخِ (أَنَّ مَلِكَ الرُّومِ) حَمَلَ الْجِزْيَةَ وَأَوْصَلَهَا إِلَى بَابِ كَاشْغَرَ لِيُنْهِيَ إِلَى صَاحِبِهِ سَعَةَ مُلْكِ السُّلْطَانِ لِيَعْظُمَ خَوْفُهُ مِنْهُ، وَلَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِخِلَافِ الطَّاعَةِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى هِمَّةٍ عَالِيَةٍ تَعْلُو عَلَى الْعَيُّوقِ.
وَلَمَّا سَارَ السُّلْطَانُ مِنْ أَصْبَهَانَ إِلَى خُرَاسَانَ جَمَعَ الْعَسَاكِرَ مِنَ الْبِلَادِ جَمِيعِهَا، فَعَبَرَ النَّهْرَ بِجُيُوشٍ لَا يَحْصُرُهَا دِيوَانٌ، وَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْإِحْصَاءِ، فَلَمَّا قَطَعَ النَّهْرَ قَصَدَ بُخَارَى، وَأَخَذَ مَا عَلَى طَرِيقِهِ، ثُمَّ سَارَ إِلَيْهَا وَمَلَكَهَا وَمَا جَاوَرَهَا مِنَ الْبِلَادِ، وَقَصَدَ سَمَرْقَنْدَ وَنَازَلَهَا، وَكَانَتِ الْمُلَطِّفَاتُ قَدْ قَدَّمَهَا إِلَى أَهْلِ الْبَلَدِ يَعِدُهُمُ النَّصْرَ، وَالْخَلَاصَ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الظُّلْمِ، وَحَصَرَ الْبَلَدَ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِ وَأَعَانَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ بِالْإِقَامَاتِ، وَفَرَّقَ أَحْمَدُ خَانُ، صَاحِبُ سَمَرْقَنْدَ، أَبْرَاجَ السُّورِ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَمَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَسَلَّمَ بُرْجًا يُقَالُ لَهُ بُرْجُ الْعَيَّارِ إِلَى رَجُلٍ عَلَوِيٍّ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ، فَنَصَحَ فِي الْقِتَالِ.
فَاتَّفَقَ أَنَّ وَلَدًا لِهَذَا الْعَلَوِيِّ أُخِذَ أَسِيرًا بِبُخَارَى، فَهُدِّدَ الْأَبُ بِقَتْلِهِ، فَتَرَاخَى عَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute