مُمَانِعٌ، فَاسْتَوْلَوْا عَلَى الْجَزِيرَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ غَيْرُ قَصْرِيَانَةَ وَجُرْجَنْتَ، فَحَصَرَهُمَا الْفِرِنْجُ، وَضَيَّقُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِهِمَا، فَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى أَهْلِهِمَا، حَتَّى أَكَلُوا الْمِيتَةَ، وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مَا يَأْكُلُونَهُ فَأَمَّا أَهْلُ جُرْجَنْتَ فَسَلَّمُوهَا إِلَى الْفِرِنْجِ، وَبَقِيَتْ قَصْرُيَانَةُ بَعْدَهَا ثَلَاثَ سِنِينَ، فَلَمَّا اشْتَدَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ أَذْعَنُوا إِلَى التَّسْلِيمِ، فَتَسَلَّمَهَا الْفِرِنْجُ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَمَلَكَ رُجَّارُ جَمِيعَ الْجَزِيرَةِ وَأَسْكَنَهَا الرُّومَ وَالْفِرِنْجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَتْرُكْ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا حَمَّامًا، وَلَا دُكَّانًا، وَلَا طَاحُونًا.
وَمَاتَ رُجَّارُ، بَعْدَ ذَلِكَ، قَبْلَ التِّسْعِينَ وَالْأَرْبَعِمِائَةِ، وَمَلَكَ بَعْدَهُ وَلَدُهُ رُجَّارُ، فَسَلَكَ طَرِيقَ مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْجَنَائِبِ، وَالْحُجَّابِ، وَالسِّلَاحِيَّةِ، وَالْجَانْدَارِيَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَخَالَفَ عَادَةَ الْفِرِنْجِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا مِنْهُ، وَجَعَلَ لَهُ دِيوَانَ الْمَظَالِمِ تُرْفَعُ إِلَيْهِ شَكْوَى الْمَظْلُومِينَ، فَيُنْصِفُهُمْ، وَلَوْ مِنْ وَلَدِهِ، وَأَكْرَمَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَرَّبَهُمْ، وَمَنَعَ عَنْهُمُ الْفِرِنْجَ، فَأَحَبُّوهُ، وَعَمَّرَ أُسْطُولًا كَبِيرًا، وَمَلَكَ الْجَزَائِرَ الَّتِي بَيْنَ الْمَهْدِيَّةِ وَصِقِلِّيَةَ، مِثْلَ مَالِطَةَ، وَقَوْصَرَةَ، وَجَرْبَةَ، وَقَرْقَنَّةَ، وَتَطَاوَلَ إِلَى سَوَاحِلِ إِفْرِيقِيَّةَ، فَكَانَ مِنْهُ مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
ذِكْرُ وُصُولِ السُّلْطَانِ إِلَى بَغْدَاذَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَصَلَ السُّلْطَانُ إِلَى بَغْدَاذَ، وَهِيَ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ، وَنَزَلَ بِدَارِ الْمَمْلَكَةِ، وَنَزَلَ أَصْحَابُهُ مُتَفَرِّقِينَ، وَوَصَلَ إِلَيْهِ أَخُوهُ تَاجُ الدَّوْلَةِ تُتُشْ، وَقَسِيمُ الدَّوْلَةِ آقْسَنْقَرُ، صَاحِبُ حَلَبَ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ زُعَمَاءِ الْأَطْرَافِ، وَعُمِلَ الْمِيلَادُ بِبَغْدَاذَ، وَتَأَنَّقُوا فِي عَمَلِهِ، فَذَكَرَ النَّاسُ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا بِبَغْدَاذَ مِثْلَهُ أَبَدًا، وَأَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ وَصْفَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَمِمَّنْ قَالَ الْمُطَرَّزُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute