وَبَنَى مَنَارَةَ الْقُرُونِ بِالسُّبَيْعِيِّ بِطُرُقِ مَكَّةَ، وَبَنَى مِثْلَهَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ.
وَاصْطَادَ مَرَّةً صَيْدًا كَثِيرًا، فَأَمَرَ بِعَدِّهِ، فَكَانَ عَشَرَةَ آلَافِ رَأْسٍ، فَأَمَرَ بِصَدَقَةٍ عَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ، وَقَالَ: إِنَّنِي خَائِفٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى كَيْفَ أَزْهَقْتُ أَرْوَاحَ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَا مَأْكَلَةٍ، وَفَرَّقَ مِنَ الثِّيَابِ وَالْأَمْوَالِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ مَا لَا يُحْصَى، وَصَارَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلَّمَا صَادَ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِعَدَدِهِ دَنَانِيرَ، وَهَذَا فِعْلُ مَنْ يُحَاسِبُ نَفْسَهُ عَلَى حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ، وَقَدْ أَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ مَرَاثِيَهُ أَيْضًا.
وَقِيلَ إِنَّ بَعْضَ أُمَرَاءَ السُّلْطَانِ كَانَ نَازِلًا بِهَرَاَةَ مَعَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي دَارِهِ، فَقَالَ يَوْمًا ذَلِكَ الْأَمِيرُ لِلسُّلْطَانِ، وَهُوَ سَكْرَانُ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَيَعْبُدُ الْأَصْنَامَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُحَلِّلُ الْحَرَامَ، فَلَمْ يَجُبْهُ مَلِكْشَاهْ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَحَا ذَلِكَ الْأَمِيرُ، فَأَخَذَ السُّلْطَانُ السَّيْفَ، وَقَالَ لَهُ:
اصْدُقْنِي عَنْ فُلَانٍ، وَإِلَّا قَتَلْتُكَ! فَطَلَبَ مِنْهُ الْأَمَانَ، فَأَمَّنَهُ، فَقَالَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَهُ دَارٌ حَسْنَاءُ، وَزَوْجَةٌ جَمِيلَةٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ تَقْتُلَهُ فَأَفُوزَ بِدَارِهِ وَزَوْجَتِهِ، فَأَبْعَدَهُ السُّلْطَانُ، وَشَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى التَّوَقُّفِ عَنْ قَبُولِ سِعَايَتِهِ، وَتَصَدَّقَ بِأَمْوَالٍ جَلِيلَةِ الْمِقْدَارِ.
ذِكْرُ مُلْكِ ابْنِهِ الْمَلِكِ مَحْمُودٍ وَمَا كَانَ مِنْ حَالِ ابْنِهِ الْأَكْبَرِ بَرْكِيَارُقَ إِلَى أَنْ مَلَكَ
لَمَّا مَاتَ السُّلْطَانُ مَلِكْشَاهْ كَتَمَتْ زَوْجَتُهُ تُرْكَانُ خَاتُونَ مَوْتَهُ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَرْسَلَتْ إِلَى الْأُمَرَاءِ سِرًّا فَأَرْضَتْهُمْ، وَاسْتَحْلَفَتْهُمْ لِوَلَدِهَا مَحْمُودٍ، وَعُمُرُهُ أَرْبَعُ سِنِينَ، وَشُهُورٍ، وَأَرْسَلَتْ إِلَى الْخَلِيفَةِ الْمُقْتَدِي فِي الْخُطْبَةِ لِوَلَدِهَا أَيْضًا. فَأَجَابَهَا، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ اسْمُ السَّلْطَنَةِ لِوَلَدِهَا، وَالْخُطْبَةُ لَهُ، وَيَكُونَ الْمُدَبِّرُ لِزَعَامَةِ الْجُيُوشِ، وَرِعَايَةِ الْبَلَدِ - هُوَ الْأَمِيرَ أُنَرْ، وَيَصْدُرُ عَنْ رَأْيِ تَاجِ الْمُلْكِ، وَيَكُونَ تَرْتِيبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute