بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمِّهِ تِسْعَةُ فَرَاسِخَ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُ أَلْفِ رَجُلٍ، وَكَانَ عَمُّهُ فِي خَمْسِينَ أَلْفَ رَجُلٍ، فَسَارَ الْأَمِيرُ يَعْقُوبُ بْنُ آبِقٍ مِنْ عَسْكَرِ عَمِّهِ، فَكَبَسَهُ، وَهَزَمَهُ، وَنَهَبَ سَوَادَهُ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا بَرْسَقُ، وَكَمُشْتِكِينُ الْجَانْدَارُ، وَالْيَارِقُ، وَهُمْ مِنَ الْأُمَرَاءِ الْكِبَارِ، فَسَارَ إِلَى أَصْبَهَانَ.
وَكَانَتْ خَاتُونُ أُمُّ أَخِيهِ مَحْمُودٍ قَدْ مَاتَتْ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، فَمَنَعَهُ مَنْ بِهَا مِنَ الدُّخُولِ إِلَيْهَا، ثُمَّ أَذِنُوا لَهُ خَدِيعَةً مِنْهُمْ لِيَقْبِضُوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَارَبَهَا خَرَجَ أَخُوهُ الْمَلِكُ مَحْمُودٌ فَلَقِيَهُ، وَدَخْلَ الْبَلَدَ، وَاحْتَاطُوا عَلَيْهِ، فَاتَّفَقَ أَنَّ أَخَاهُ مَحْمُودًا حُمَّ وَجُدِرَ، فَأَرَادَ الْأُمَرَاءُ أَنْ يَكْحَلُوا بَرْكِيَارُقَ، فَقَالَ لَهُمْ أَمِينُ الدَّوْلَةِ بْنُ التِّلْمِيذِ الطَّبِيبُ: إِنَّ الْمَلِكَ مَحْمُودًا قَدْ جُدِرَ، وَمَا كَأَنَّهُ يَسْلَمُ مِنْهُ، وَأَرَاكُمْ تَكْرَهُونَ أَنْ يَلِيَكُمْ، وَيَمْلِكَ الْبِلَادَ تَاجُ الدَّوْلَةِ، فَلَا تَعْجَلُوا عَلَى بَرْكِيَارُقَ، فَإِنْ مَاتَ مَحْمُودٌ أَقِيمُوهُ مَلِكًا، وَإِنْ سَلِمَ مَحْمُودٌ فَأَنْتُمْ تَقْدِرُونَ عَلَى كَحْلِهِ. فَمَاتَ مَحْمُودٌ سَلْخَ شَوَّالٍ، فَكَانَ هَذَا مِنَ الْفَرَجِ بَعْدَ الشِّدَّةِ، وَجَلَسَ بَرْكِيَارُقُ لِلْعَزَاءِ بِأَخِيهِ.
وَكَانَ مَوْلِدُ مَحْمُودٍ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَقَصَدَهُ مُؤَيِّدُ الْمُلْكِ بْنُ نِظَامِ الْمُلْكِ، فَاسْتَوْزَرَهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَكَانَ أَخُوهُ عِزُّ الْمُلْكِ بْنُ نِظَامِ الْمُلْكِ قَدْ مَاتَ لَمَّا كَانَ مَعَ بَرْكِيَارُقَ بِالْمَوْصِلِ، وَحُمِلَ إِلَى بَغْدَاذَ، فَدُفِنَ بِالنِّظَامِيَّةِ
وَكَانَ أَصْبَحَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا وَسِيرَةً، وَكَانَ قَدْ أَجْرَى النَّاسَ عَلَى مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ تَوْقِيعَاتِ أَبِيهِ فِي الْإِطْلَاقَاتِ مِنْ خَاصَّتِهِ، مِنْهَا بِبَغْدَاذَ مِائَتَا كُرِّ غَلَّةٍ، وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ أَمِيرِيٍّ.
ثُمَّ إِنَّ بَرْكِيَارُقَ جُدِرَ، بَعْدَ أَخِيهِ، وَعُوفِيَ وَسَلِمَ، فَلَمَّا عُوفِيَ كَاتَبَ مُؤَيِّدُ الْمُلْكِ وَزِيرُهُ الْأُمَرَاءَ الْعِرَاقِيِّينَ، وَالْخُرَاسَانِيِّينَ، وَاسْتَمَالَهُمْ، فَعَادُوا كُلُّهُمْ إِلَى بَرْكِيَارُقَ، فَعَظُمَ شَأْنُهُ وَكَثُرَ عَسْكَرُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute