وَكَانَ عَلَى يَدِ بَدْرٍ بَازِيٌّ فَأَلْقَاهُ وَانْفَرَدَ عَنِ الْجَيْشِ، وَجَعَلَ يَسْتَرِدُّ الْأَبْيَاتَ وَهُوَ يُنْشِدُهَا إِلَى أَنِ اسْتَقَرَّ فِي مَجْلِسِهِ، ثُمَّ قَالَ لِجَمَاعَةِ غِلْمَانِهِ وَخَاصَّتِهِ: مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيَخْلَعْ عَلَى هَذَا الشَّاعِرِ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، وَمَعَهُ سَبْعُونَ بَغْلًا، يَحْمِلُ الْخِلَعَ وَالتُّحَفَ، وَأَمَرَ لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، وَفَرَّقَ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى الشُّعَرَاءِ، وَلَمَّا مَاتَ بَدْرٌ قَامَ بِمَا كَانَ إِلَيْهِ ابْنُهُ الْأَفْضَلُ.
ذِكْرُ وَفَاةِ الْمُسْتَنْصِرِ، وَوِلَايَةِ ابْنِهِ الْمُسْتَعْلِي
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ، تُوُفِّيَ الْمُسْتَنْصِرُ بِاللَّهِ أَبُو تَمِيمٍ مَعَدُّ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيٍّ الظَّاهِرِ لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ، صَاحِبُ مِصْرَ وَالشَّامِ، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ سِتِّينَ سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَكَانَ عُمْرُهُ سَبْعًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَهُوَ الَّذِي خَطَبَ لَهُ الْبَسَاسِيرِيُّ بِبَغْدَاذَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ.
وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَاحِ، رَئِيسَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، قَدْ قَصَدَهُ فِي زِيِّ تَاجِرٍ، وَاجْتَمَعَ بِهِ، وَخَاطَبَهُ فِي إِقَامَةِ الدَّعْوَةِ لَهُ بِبِلَادِ الْعَجَمِ، فَعَادَ وَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهِ سِرًّا، ثُمَّ أَظْهَرَهَا، وَمَلَكَ الْقِلَاعَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَالَ لِلْمُسْتَنْصِرِ: مَنْ إِمَامِي بَعْدَكَ؟ فَقَالَ: ابْنِي نِزَارٌ، وَهُوَ أَكْبَرُ أَوْلَادِهِ، وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا يَقُولُونَ بِإِمَامَةِ نِزَارٍ.
وَلَقِيَ الْمُسْتَنْصِرُ شَدَائِدَ وَأَهْوَالًا، وَانْفَتَقَتْ عَلَيْهِ الْفُتُوقُ بِدِيَارِ مِصْرَ، أَخْرَجَ فِيهَا أَمْوَالَهُ وَذَخَائِرَهُ إِلَى أَنْ بَقِيَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَ سَجَّادَتِهِ الَّتِي يَجْلِسُ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَعَ هَذَا صَابِرٌ غَيْرُ خَاشِعٍ، وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى ذِكْرِ هَذَا سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَغَيْرِهَا.
وَلَمَّا مَاتَ وَلِيَ بَعْدَهُ ابْنُهُ أَبُو الْقَاسِمِ أَحْمَدُ الْمُسْتَعْلِي بِاللَّهِ، وَمَوْلِدُهُ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَكَانَ قَدْ عَهِدَ فِي حَيَاتِهِ بِالْخِلَافَةِ لِابْنِهِ نِزَارٍ، فَخَلَعَهُ الْأَفْضَلُ وَبَايَعَ الْمُسْتَعْلِي بِاللَّهِ.
وَسَبَبُ خَلْعِهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ رَكِبَ مَرَّةً، أَيَّامَ الْمُسْتَنْصِرِ، وَدَخَلَ دِهْلِيزَ الْقَصْرِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute