للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَاءٌ بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ. وَأَقْبَلَ سَلَمَةُ فِيمَنْ مَعَهُ وَفِي الصَّنَائِعِ أَيْضًا، وَهُمْ قَوْمٌ كَانُوا مَعَ الْمُلُوكِ مِنْ شُذَّاذِ الْعَرَبِ، فَأَقْبَلُوا إِلَى الْكُلَابِ، وَعَلَى تَغْلِبَ السَّفَّاحُ بْنُ خَالِدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَثَبَتَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. فَلَمَّا كَانَ آخِرُ النَّهَارِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ خَذَلَتْ بَنُو حَنْظَلَةَ وَعَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ وَالرِّبَابُ بَكْرَ بْنَ وَائِلٍ وَانْهَزَمُوا، وَثَبَتَتْ بَكْرٌ وَانْصَرَفَتْ بَنُو سَعْدٍ وَمَنْ مَعَهَا عَنْ تَغْلِبَ وَصَبَرَتْ تَغْلِبُ، وَنَادَى مُنَادِي شُرَحْبِيلَ: مَنْ أَتَانِي بِرَأْسِ سَلَمَةَ فَلَهُ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَنَادَى مُنَادِي سَلَمَةَ: مَنْ أَتَانِي بِرَأْسِ شُرَحْبِيلَ فَلَهُ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ. فَاشْتَدَّ الْقِتَالُ حِينَئِذٍ كُلٌّ يَطْلُبُ أَنْ يَظْفَرَ لَعَلَّهُ يَصِلُ إِلَى قَتْلِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ لِيَأْخُذَ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، فَكَانَتِ الْغَلَبَةُ آخِرَ النَّهَارِ لِتَغْلِبَ وَسَلَمَةَ، وَمَضَى شُرَحْبِيلُ مُنْهَزِمًا، فَتَبِعَهُ ذُو السُّنَيْنَةِ التَغْلِبِيُّ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ شُرَحْبِيلُ فَضَرَبَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ فَأَطَنَّ رِجْلَهُ.

وَكَانَ ذُو السُّنَيْنَةِ أَخَا أَبِي حَنَشٍ لِأُمِّهِ، فَقَالَ لِأَخِيهِ: قَتَلَنِي الرَّجُلُ! وَهَلَكَ ذُو السُّنَيْنَةِ! فَقَالَ أَبُو حَنَشٍ لِشُرَحْبِيلَ: قَتَلَنِي اللَّهُ إِنْ لَمْ أَقْتُلْكَ! وَحَمَلَ عَلَيْهِ فَأَدْرَكَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا حَنَشٍ اللَّبَنَ اللَّبَنَ! يَعْنِي الدِّيَةَ. فَقَالَ: قَدْ هَرَقْتَ لَبَنًا كَثِيرًا! فَقَالَ: يَا أَبَا حَنَشٍ أَمَلِكًا بِسُوقَةٍ؟ فَقَالَ: إِنَّ أَخِي مَلِكِي. فَطَعَنَهُ فَأَلْقَاهُ عَنْ فَرَسِهِ، وَنَزَلَ إِلَيْهِ فَأَخَذَ رَأْسَهُ وَبَعَثَ بِهِ إِلَى سَلَمَةَ مَعَ ابْنِ عَمٍّ لَهُ، فَأَتَاهُ بِهِ وَأَلْقَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ سَلَمَةُ: لَوْ كُنْتَ أَلْقَيْتَهُ أَرْفَقَ مِنْ هَذَا! وَعُرِفَتِ النَّدَامَةُ فِي وَجْهِ سَلَمَةَ وَالْجَزَعُ عَلَيْهِ. فَهَرَبَ أَبُو حَنَشٍ مِنْهُ، فَقَالَ سَلَمَةُ:

أَلَا أَبْلِغْ أَبَا حَنَشٍ رَسُولًا ... فَمَا لَكَ لَا تَجِيءُ إِلَى الثَّوَابِ

لِتَعْلَمَ أَنَّ خَيْرَ النَّاسِ طُرًّا ... قَتِيلٌ بَيْنَ أَحْجَارِ الْكُلَابِ

تَدَاعَتْ حَوْلَهُ جُشَمُ بْنُ بَكْرٍ ... وَأَسْلَمَهُ جَعَاسِيسُ الرِّبَابِ

فَأَجَابَهُ أَبُو حَنَشٍ فَقَالَ:

أُحَاذِرُ أَنْ أَجِيئَكَ ثُمَّ تَحْبُو ... حِبَاءَ أَبِيكَ يَوْمَ صُنَيْبِعَاتِ

وَكَانَتْ غَدْرَةٌ شَنْعَاءُ تَهْفُو ... تَقَلَّدَهَا أَبُوكَ إِلَى الْمَمَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>