وَالسُّلْطَانُ بِمَرْوَ، فَاسْتَوْحَشَ قُودَنُ، وَأَظْهَرَ الْمَرَضَ، وَتَأَخَّرَ بِمَرْوَ بَعْدَ مَسِيرِ السُّلْطَانِ إِلَى الْعِرَاقِ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ أُمَرَاءِ السُّلْطَانِ أَمِيرٌ اسْمُهُ إِكِنْجِي، وَقَدْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ خُوَارِزْمَ، وَلَقَّبَهُ خُوَارِزْمَشَاهْ، فَجَمَعَ عَسَاكِرَهُ وَسَارَ فِي عَشْرَةِ آلَافِ فَارِسٍ لِيَلْحَقَ السُّلْطَانَ، فَسَبَقَ الْعَسْكَرَ إِلَى مَرْوَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ فَارِسٍ، وَتَشَاغَلَ بِالشُّرْبِ، فَاتَّفَقَ قُودَنُ، وَأَمِيرٌ آخَرُ اسْمُهُ يَارْقَطَاشُ عَلَى قَتْلِهِ، فَجَمَعَا خَمْسَمِائَةِ فَارِسٍ وَكَبَسُوهُ وَقَتَلُوهُ، وَسَارُوا إِلَى خَوَارِزْمَ، وَأَظْهَرُوا أَنَّ السُّلْطَانَ قَدِ اسْتَعْمَلَهُمَا عَلَيْهَا فَتَسَلَّمَاهَا.
وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى السُّلْطَانِ، فَتَمَّ الْمَسِيرُ إِلَى الْعِرَاقِ، لَمَّا بَلَغَهُ مِنْ خُرُوجِ الْأَمِيرِ أُنَرْ وَمُؤَيِّدِ الْمُلْكِ عَنْ طَاعَتِهِ، وَأَعَادَ (أَمِيرُ دَاذَ حَبَشِيُّ) بْنُ التُّونْتَاقِ فِي جَيْشٍ إِلَى خُرَاسَانَ لِقِتَالِهِمَا، فَسَارَ إِلَى هَرَاةَ، وَأَقَامَ يَنْتَظِرُ اجْتِمَاعَ الْعَسَاكِرِ مَعَهُ، فَعَاجَلَاهُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، فَعَلِمَ أَمِيرُ دَاذَ أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِمَا، فَعَبَرَ جَيْحُونَ، فَسَارَ إِلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ يَارْقَطَاشُ لِيَلْحَقَهُ قُودَنُ، فَعَاجَلَهُ يَارْقَطَاشُ وَحْدَهُ، وَقَاتَلَهُ، فَانْهَزَمَ يَارْقَطَاشُ وَأُخِذَ أَسِيرًا.
وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى قُودَنَ، فَثَارَ بِهِ عَسْكَرُهُ، وَنَهَبُوا خَزَائِنَهُ وَمَا مَعَهُ، فَبَقِيَ فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ، فَهَرَبَ إِلَى بُخَارَى، فَقَبَضَ عَلَيْهِ صَاحِبُهَا، ثُمَّ أَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَبَقِيَ عِنْدَهُ، وَسَارَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى الْمَلِكِ سَنْجَرَ بِبَلْخَ، فَقَبِلَهُ أَحْسَنَ قَبُولٍ وَبَذَلَ لَهُ قُودَنُ أَنْ يَكْفِيَهُ أُمُورَهُ، وَيَقُومَ بِجَمْعِ الْعَسَاكِرِ عَلَى طَاعَتِهِ، فَقُدِّرَ أَنَّهُ مَاتَ عَنْ قَرِيبٍ، وَأَمَّا يَارْقَطَاشُ فَبَقِيَ أَسِيرًا إِلَى أَنْ قُتِلَ أَمِيرُ دَاذَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ ابْتِدَاءِ دَوْلَةِ مُحَمَّدِ بْنِ خُوَارِزْمِشَاهْ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَمَّرَ بَرْكِيَارُقُ الْأَمِيرَ حَبَشِيَّ بْنَ أَلْتُونْتَاقَ عَلَى خُرَاسَانَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، فَلَمَّا صَفَتْ لَهُ، وَقُتِلَ قُودَنُ، كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ، وَلِيَ خُوَارِزْمَ الْأَمِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ أَنُوشْتِكِينَ، وَكَانَ أَبُوهُ أَنُوشْتِكِينُ مَمْلُوكَ أَمِيرٍ مِنَ السُّلْجُوقِيَّةِ، اسْمُهُ بَلْكَبَاكُ، قَدِ اشْتَرَاهُ مِنْ رَجُلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute