وَأَحْضَرَ رَسُولَهُ، وَقَالَ لَهُ: إِذَا عَزَمْتُمْ عَلَى جِهَادِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَفْضَلُ ذَلِكَ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، تُخَلِّصُونَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَيَكُونُ لَكُمُ الْفَخْرُ، وَأَمَّا إِفْرِيقِيَّةُ فَبَيْنِي وَبَيْنَ أَهْلِهَا أَيْمَانٌ وَعُهُودٌ. فَتَجَهَّزُوا، وَخَرَجُوا إِلَى الشَّامِ. وَقِيلَ: إِنَّ أَصْحَابَ مِصْرَ مِنَ الْعَلَوِيِّينَ، لَمَّا رَأَوْا قُوَّةَ الدَّوْلَةِ السُّلْجُوقِيَّةِ، وَتَمَكُّنَهَا وَاسْتِيلَاءَهَا عَلَى بِلَادِ الشَّامِ إِلَى غَزَّةَ، وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مِصْرَ وِلَايَةٌ أُخْرَى تَمَنَعُهُمْ، وَدُخُولَ أَقْسِيسَ إِلَى مِصْرَ وَحَصْرَهَا؛ خَافُوا، وَأَرْسَلُوا إِلَى الْفِرِنْجِ يَدْعُونَهُمْ إِلَى الْخُرُوجِ إِلَى الشَّامِ لِيَمْلِكُوهُ، وَيَكُونُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) .
فَلَمَّا عَزَمَ الْفِرِنْجُ عَلَى قَصْدِ الشَّامِ، وَسَارُوا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ لِيَعْبُرُوا الْمَجَازَ إِلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَسِيرُوا فِي الْبَرِّ، فَيَكُونَ أَسْهَلَ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَيْهَا مَنَعَهُمْ مَلِكُ الرُّومِ مِنَ الِاجْتِيَازِ بِبِلَادِهِ، وَقَالَ: لَا أُمَكِّنُكُمْ مِنَ الْعُبُورِ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ حَتَّى تَحْلِفُوا لِي أَنَّكُمْ تُسَلِّمُونَ إِلَيَّ أَنْطَاكِيَةَ، وَكَانَ قَصْدُهُ [أَنْ] يَحُثَّهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُمْ أَتْرَاكٌ لَا يُبْقُونَ مِنْهُمْ أَحَدًا، لِمَا رَأَى مِنْ صَرَامَتِهِمْ وَمَلْكِهُمُ الْبِلَادَ.
فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، وَعَبَرُوا الْخَلِيجَ عِنْدَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ سَنَةَ تِسْعِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] ، وَوَصَلُوا إِلَى بِلَادِ قِلِيجَ أَرْسِلَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ قُتُلْمِشَ، وَهِيَ قُونِيَةُ وَغَيْرُهَا، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَيْهَا لَقِيَهُمْ قِلِيجُ أَرَسْلَانُ فِي جُمُوعِهِ، وَمَنَعَهُمْ، فَقَاتَلُوهُ فَهَزَمُوهُ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَاجْتَازُوا فِي بِلَادِهِ إِلَى بِلَادِ ابْنِ الْأَرْمَنِيِّ، فَسَلَكُوهَا، وَخَرَجُوا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ فَحَصَرُوهَا.
وَلَمَّا سَمِعَ صَاحِبُهَا يَاغِي سِيَّانِ بِتَوَجُّهِهِمْ إِلَيْهَا، خَافَ مِنَ النَّصَارَى الَّذِينَ بِهَا، فَأَخْرَجَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِهَا، لَيْسَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ، ثُمَّ أَخْرَجَ مِنَ الْغَدِ النَّصَارَى لِعَمَلِ الْخَنْدَقِ أَيْضًا، لَيْسَ مَعَهُمْ مُسْلِمٌ، فَعَمِلُوا فِيهِ إِلَى الْعَصْرِ، فَلَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute