مُحَمَّدٍ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، فَالْتَقَوْا، فَاقْتَتَلُوا يَوْمَهُمْ أَجْمَعَ، وَكَانَ النَّفَرُ يَسْتَأْمِنُونَ مِنْ عَسْكَرِ مُحَمَّدٍ إِلَى بَرْكِيَارُقَ، فَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ.
وَمِنَ الْعَجَبِ الدَّالِّ عَلَى الظَّفَرِ أَنَّ رَجَّالَةَ بَرْكِيَارُقَ احْتَاجُوا إِلَى تِرَاسٍ، فَوَصَلَ إِلَيْهِ يَوْمُ الْمَصَافِّ بُكْرَةً اثْنَا عَشْرَةَ حِمْلًا مِنْ هَمَذَانَ مِنْهَا ثَمَانِيَةُ أَحْمَالِ تِرَاسٍ، فَفُرِّقَتْ فِيهِمْ، فَلَمَّا وَصَلَتْ نَزَلَ السُّلْطَانُ بَرْكِيَارُقُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى.
وَلَمْ يَزَلِ الْقِتَالُ إِلَى آخَرِ النَّهَارِ، فَانْهَزَمَ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ وَعَسْكَرُهُ وَأُسِرَ مُؤَيَّدُ الْمُلْكِ، أَسَرَهُ غُلَامٌ لِمَجْدِ الْمُلْكِ الْبَلَاسَانِيِّ وَأُحْضِرَ عِنْدَ السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ، فَسَبَّهُ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ مَعَهُ مِنْ سَبِّ وَالِدَتِهِ مَرَّةً، وَنِسْبَتِهِ إِلَى مَذْهَبِ الْبَاطِنِيَّةِ أُخْرَى، وَمِنْ حَمْلِ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ عَلَى عِصْيَانِهِ، وَالْخُرُوجِ عَنْ طَاعَتِهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَمُؤَيَّدُ الْمُلْكِ سَاكِتٌ لَا يُعِيدُ كَلِمَةً، فَقَتَلَهُ بَرْكِيَارُقُ بِيَدِهِ، وَأُلْقِيَ عَلَى الْأَرْضِ عِدَّةَ أَيَّامٍ حَتَّى سَأَلَ الْأَمِيرُ إِيَازُ فِي دَفْنِهِ، فَأَذِنَ فِيهِ، فَحُمِلَ إِلَى تُرْبَةِ أَبِيهِ بِأَصْبَهَانَ فَدُفِنَ مَعَهُ.
وَكَانَ بَخِيلًا، سَيِّئَ السِّيرَةِ مَعَ الْأُمَرَاءِ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الْمَكْرِ وَالْحِيَلِ فِي إِصْلَاحِ أَمْرِ الْمُلْكِ، وَكَانَ عُمْرُهُ لَمَّا قُتِلَ نَحْوَ خَمْسِينَ سَنَةً.
وَكَانَ السُّلْطَانُ بَرْكِيَارُقُ قَدِ اسْتَوْزَرَ فِي صَفَرٍ الْأَعَزَّ أَبَا الْمَحَاسِنِ عَبْدَ الْجَلِيلِ بْنَ الدِّهِسْتَانِيِّ، فَلَمَّا قُتِلَ مُؤَيَّدُ الْمُلْكِ أَرْسَلَ الْوَزِيرُ أَبُو الْمَحَاسِنِ رَسُولًا إِلَى بَغْدَاذَ، وَهُوَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْأَسْدَابَاذِي، لِأَخْذِ أَمْوَالِ مُؤَيَّدِ الْمُلْكِ، فَنَزَلَ بِبَغْدَاذَ بِدَارِ مُؤَيَّدِ الْمُلْكِ، وَسُلِّمَ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ الشَّرَابِيُّ، وَهُوَ ابْنُ خَالَةِ مُؤَيَّدِ الْمُلْكِ، فَأُخِذَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ وَالْجَوَاهِرُ بَعْدَ مَكْرُوهٍ أَصَابَهُ، وَعَذَابٍ نَالَهُ، وَأُخِذَ لَهُ ذَخَائِرُ مِنْ مَوَاضِعَ أُخَرَ بِبِلَادِ الْعَجَمِ مِنْهَا: قِطْعَةُ بَلَخْشٍ، وَزْنُهَا وَاحِدٌ وَأَرْبَعُونَ مِثْقَالًا.
وَلَمَّا فَرَغَ السُّلْطَانُ بَرْكِيَارُقُ مِنْ هَذِهِ الْوَقْعَةِ سَارَ إِلَى الرَّيِّ، فَوَصَلَ إِلَيْهِ هُنَاكَ قِوَامُ الدَّوْلَةِ كَرْبُوقَا، صَاحِبُ الْمَوْصِلِ، وَنُورُ الدَّوْلَةِ دُبَيْسُ بْنُ صَدَقَةَ بْنِ مَزْيَدٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute