فَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ إِلَى سَيْفِ الدَّوْلَةِ فِي الْإِصْلَاحِ، فَلَمْ تَسْتَقِرَّ قَاعِدَةٌ، وَعَادَ إِيلْغَازِي وَسُقْمَانُ وَمَعَهُمَا دُبَيْسُ بْنُ سَيْفِ الدَّوْلَةِ صَدَقَةَ مِنْ دُجَيْلٍ، فَخَيَّمُوا بِالرَّمَلَةِ، فَقَصَدَهُمْ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْعَامَّةِ، فَقَاتَلُوهُمْ، فَقُتِلَ مِنَ الْعَامَّةِ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ، وَأُخِذَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ، فَأُطْلِقُوا بَعْدَ أَنْ أُخِذَتْ أَسْلِحَتُهُمْ وَازْدَادَ الْأَمْرُ شِدَّةً عَلَى النَّاسِ، فَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ قَاضِيَ الْقُضَاةِ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ الدَّامَغَانِيِّ، وَتَاجَ الرُّؤَسَاءِ بْنَ الْمَوْصَلَايَا إِلَى سَيْفِ الدَّوْلَةِ يَأْمُرُهُ بِالْكَفِّ عَنِ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ مَلَابِسُهُ، وَيُعَرِّفُهُ مَا النَّاسُ فِيهِ، وَيُعَظِّمُ الْأَمْرَ عَلَيْهِ، فَأَظْهَرَ طَاعَةَ الْخَلِيفَةِ إِنْ أَخْرَجَ الْقَيْصَرِيَّ مِنْ بَغْدَاذَ، وَإِلَّا فَلَيْسَ غَيْرُ السَّيْفِ، وَأَرْعَدَ وَأَبْرَقَ.
فَلَمَّا عَادَ الرَّسُولُ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى إِخْرَاجِ الْقَيْصَرِيِّ مِنْ بَغْدَاذَ، فَفَارَقَهَا ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَسَارَ إِلَى النَّهْرَوَانِ، وَعَادَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ إِلَى بَلَدِهِ، وَأُعِيدَتْ خُطْبَةُ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ بِبَغْدَاذَ، وَسَارَ الْقَيْصَرِيُّ إِلَى وَاسِطَ، فَخَافَ النَّاسُ مِنْهُ، وَأَرَادُوا الِانْحِدَارَ مِنْهَا لِيَأْمَنُوا، فَمَنَعَهُمُ الْقَيْصَرِيُّ، وَخَطَبَ لبَرْكِيَارُقَ بِوَاسِطَ، وَنَهَبُوا كَثِيرًا مِنْ سَوَادِهَا.
فَلَمَّا سَمِعَ صَدَقَةُ ذَلِكَ سَارَ إِلَى وَاسِطَ، فَدَخَلَهَا، وَعَدَلَ فِي أَهْلِهَا، وَكَفَّ عَسْكَرَهُ عَنْ أَذَاهُمْ، وَوَصَلَ إِلَيْهِ إِيلْغَازِي بِوَاسِطَ، وَفَارَقَهَا الْقَيْصَرِيُّ، وَنَزَلَ مُتَحَصِّنًا بِدِجْلَةَ، فَقِيلَ لِسَيْفِ الدَّوْلَةِ: إِنَّ هُنَاكَ مَخَاضَةً، فَسَارَ إِلَيْهَا بِعَسْكَرِهِ وَقَدْ لَبِسُوا السِّلَاحَ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَسْكَرُ الْقَيْصَرِيِّ تَفَرَّقُوا عَنْهُ، وَبَقِيَ فِي خَوَاصِّ أَصْحَابِهِ، فَطَلَبَ الْأَمَانَ مِنْ سَيْفِ الدَّوْلَةِ، فَأَمَّنَهُ، فَحَضَرَ عِنْدَهُ، فَأَكْرَمَهُ، وَقَالَ لَهُ: قَدْ سَمِنْتَ، قَالَ: وَتَرَكْتَنَا نَسْمَنُ؟ أَخْرَجْتَنَا مِنْ بَغْدَاذَ، ثُمَّ مِنْ وَاسِطَ، وَنَحْنُ لَا نَعْقِلُ.
ثُمَّ بَذَلَ صَدَقَةُ الْأَمَانَ لِجَمِيعِ عَسْكَرِ وَاسِطَ، وَمَنْ كَانَ مَعَ الْقَيْصَرِيِّ، سِوَى رَجُلَيْنِ، فَعَادَا إِلَيْهِ فَأَمَّنَهُمَا، وَعَادَ الْقَيْصَرِيُّ إِلَى بَرْكِيَارُقَ، وَأُعِيدَتْ خُطْبَةُ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ بِوَاسِطَ، وَخُطِبَ بَعْدَهُ لِسَيْفِ الدَّوْلَةِ وإِيلْغَازِي، وَاسْتَنَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهَا وَلَدَهُ، وَعَادُوا عَنْهَا فِي الْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى، وَأَمِنَ أَهْلُ وَاسِطَ مِمَّا كَانُوا يَخَافُونَهُ. فَأَمَّا إِيلْغَازِي فَإِنَّهُ أَصْعَدَ إِلَى بَغْدَاذَ، وَأَمَّا سَيْفُ الدَّوْلَةِ صَدَقَةُ فَإِنَّهُ عَادَ إِلَى الْحِلَّةِ، وَأَرْسَلَ وَلَدَهُ الْأَصْغَرَ مَنْصُورًا مَعَ إِيلْغَازِي إِلَى الْمُسْتَظْهِرِ بِاللَّهِ يَسْأَلُهُ الرِّضَا عَنْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ سَخِطَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ، فَوَصَلَ إِلَى بَغْدَاذَ وَخَاطَبَ فِي ذَلِكَ، فَأُجِيبُ إِلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute