ذِكْرُ الصُّلْحِ بَيْنَ السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ وَمُحَمَّدٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَ السُّلْطَانَيْنِ بَرْكِيَارُقَ وَمُحَمَّدٍ ابْنَيْ مَلِكْشَاهْ.
وَكَانَ سَبَبُهُ أَنَّ الْحُرُوبَ تَطَاوَلَتْ بَيْنَهُمَا، وَعَمَّ الْفَسَادُ، فَصَارَتِ الْأَمْوَالُ مَنْهُوبَةً، وَالدِّمَاءُ مَسْفُوكَةً، وَالْبِلَادُ مُخَرَّبَةً، وَالْقُرَى مُحَرَّقَةً، وَالسَّلْطَنَةُ مَطْمُوعًا فِيهَا، مَحْكُومًا عَلَيْهَا، وَأَصْبَحَ الْمُلُوكُ مَقْهُورِينَ، بَعْدَ أَنْ كَانُوا قَاهِرِينَ، وَكَانَ الْأُمَرَاءُ الْأَكَابِرُ يُؤْثِرُونَ ذَلِكَ وَيَخْتَارُونَهُ لِيَدُومَ تَحَكَّمُهُمْ، وَانْبِسَاطُهُمْ، وَإِدْلَالُهُمْ.
وَكَانَ السُّلْطَانُ بَرْكِيَارُقُ حِينَئِذٍ بِالرَّيِّ وَالْخُطْبَةُ لَهُ بِهَا، وَبِالْجَبَلِ، وَطَبَرِسْتَانَ، وَخُوزِسْتَانَ، وَفَارِسَ، وَدِيَارِ بَكْرٍ، وَالْجَزِيرَةِ، وَبِالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ.
وَكَانَ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ بِأَذْرَبِيجَانَ، وَالْخُطْبَةُ لَهُ فِيهَا، وَبِبِلَادِ أَرَانِيَّةَ، وَأَرْمِينِيَّةَ، وأَصْبَهَانَ، وَالْعِرَاقِ، كُلِّهَا مَا عَدَا تِكْرِيتَ.
وَأَمَّا أَعْمَالُ الْبَطَائِحِ فَيُخْطَبُ بِبَعْضِهَا لبَرْكِيَارُقَ، وَبِبَعْضِهَا لِمُحَمَّدٍ.
وَأَمَّا الْبَصْرَةُ فَكَانَ يُخْطَبُ فِيهَا لَهُمَا جَمِيعًا.
وَأَمَّا خُرَاسَانُ فَإِنَّ السُّلْطَانَ سَنْجَرَ كَانَ يُخْطَبُ لَهُ فِي جَمِيعِهَا، وَهِيَ مِنْ حُدُودِ جُرْجَانَ إِلَى مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَلِأَخِيهِ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ.
فَلَمَّا رَأَى السُّلْطَانُ بَرْكِيَارُقُ الْمَالَ عِنْدَهُ مَعْدُومًا، وَالطَّمَعَ مِنَ الْعَسْكَرِ زَائِدًا، أَرْسَلَ الْقَاضِيَ أَبَا الْمُظَفَّرِ الْجُرْجَانِيَّ الْحَنَفِيَّ، وَأَبَا الْفَرَجِ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الْغَفَّارِ الْهَمَذَانِيَّ، الْمَعْرُوفَ بِصَاحِبِ قُرَاتِكِينَ، إِلَى أَخِيهِ مُحَمَّدٍ فِي تَقْرِيرِ قَوَاعِدِ الصُّلْحِ، فَسَارَ إِلَيْهِ، وَهُوَ بِالْقُرْبِ مِنْ مَرَاغَةَ، فَذَكَرَا لَهُ مَا أُرْسِلَا فِيهِ، وَرَغَّبَاهُ فِي الصُّلْحِ وَفَضِيلَتِهِ، وَمَا شَمِلَ الْبِلَادَ مِنَ الْخَرَابِ، وَطَمَعِ عَدُوِّ الْإِسْلَامِ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ، فَأَجَابَ إِلَى ذَلِكَ، وَأَرْسَلَ فِيهِ رُسُلًا، وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ، وَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَتَقَرَّرَتِ الْقَاعِدَةُ: أَنَّ السُّلْطَانَ بَرْكِيَارُقَ لَا يَعْتَرِضُ أَخَاهُ مُحَمَّدًا فِي الطَّبْلِ، وَأَنْ لَا يُذْكَرَ مَعَهُ عَلَى سَائِرِ الْبِلَادِ الَّتِي صَارَتْ لَهُ، وَأَنْ لَا يُكَاتِبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بَلْ تَكُونُ الْمُكَاتَبَةُ مِنَ الْوَزِيرَيْنِ، وَلَا يُعَارَضُ أَحَدٌ مِنَ الْعَسْكَرِ فِي قَصْدِ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَأَنْ يَكُونَ لِلسُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ مِنَ النَّهْرِ الْمَعْرُوفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute