ذِكْرُ نَهْبِ الْعَرَبِ الْبَصْرَةَ
قَدْ ذَكَرْنَا اسْتِلَاءَ الْأَمِيرِ صَدَقَةَ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَأَنَّهُ اسْتَنَابَ بِهَا مَمْلُوكًا كَانَ لِجَدِّهِ دُبَيْسِ بْنِ مَزْيَدٍ، اسْمُهُ أَلْتُونْتَاشُ، وَجَعَلَ مَعَهُ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَارِسًا.
فَاجْتَمَعَتْ رَبِيعَةُ والْمُنْتَفَقُ وَمَنِ انْضَمَّ إِلَيْهَا مِنَ الْعَرَبِ، وَقَصَدُوا الْبَصْرَةَ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، فَقَاتَلَهُمْ أَلْتُونْتَاشُ، فَأَسَرُوهُ، وَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ، وَلَمْ يَقْدِرْ مَنْ بِهَا عَلَى حِفْظِهَا، فَدَخَلُوا بِالسَّيْفِ أَوَاخِرَ ذِي الْقَعْدَةِ، وَأَحْرَقُوا الْأَسْوَاقَ، وَالدُّورَ الْحِسَانَ، وَنَهَبُوا مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ، وَأَقَامُوا يَنْهَبُونَ وَيُحْرِقُونَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَتَشَرَّدَ أَهْلُهَا فِي السَّوَادِ، وَنُهِبَتْ خِزَانَةُ كُتُبٍ كَانَتْ مَوْقُوفَةً، وَقَفَهَا الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ بْنُ أَبِي الْبَقَاءِ.
وَبَلَغَ الْخَبَرُ صَدَقَةَ، فَأَرْسَلَ عَسْكَرًا، فَوَصَلُوا وَقَدْ فَارَقَهَا الْعَرَبُ.
ثُمَّ إِنَّ السُّلْطَانَ مُحَمَّدًا أَرْسَلَ شِحْنَةً وَعَمِيدًا إِلَى الْبَصْرَةِ، وَأَخَذَهَا مِنْ صَدَقَةَ، وَعَادَ أَهْلُهَا إِلَيْهَا وَشَرَعُوا فِي عِمَارَتِهَا.
ذِكْرُ حَالِ طَرَابُلُسَ الشَّامِ مَعَ الْفِرِنْجِ
كَانَ صَنْجِيلُ الْفِرِنْجِيُّ، لَعَنَهُ اللَّهُ، قَدْ مَلَكَ مَدِينَةَ جَبَلَةَ، وَأَقَامَ عَلَى طَرَابُلُسَ يَحْصُرُهَا، فَحَيْثُ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَمْلِكَهَا، بَنَى بِالْقُرْبِ مِنْهَا حِصْنًا، وَبَنَى تَحْتَهُ رَبَضًا، وَأَقَامَ مُرَاصِدًا لَهَا، وَمُنْتَظِرًا وُجُودَ فُرْصَةٍ فِيهَا، فَخَرَجَ فَخْرُ الْمُلْكِ أَبُو عَلِيِّ بْنُ عَمَّارٍ، صَاحِبُ طَرَابُلُسَ، فَأَحْرَقَ رَبَضَهُ، وَوَقَفَ صَنْجِيلُ عَلَى بَعْضِ سُقُوفِهِ الْمُتَحَرِّقَةِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقَمَامِصَةِ وَالْفُرْسَانِ، فَانْخَسَفَ بِهِمْ، فَمَرِضَ صَنْجِيلُ مِنْ ذَلِكَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَمَاتَ، وَحُمِلَ إِلَى الْقُدْسِ فَدُفِنَ فِيهِ.
ثُمَّ إِنَّ مَلِكَ الرُّومِ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِاللَّاذِقِيَّةِ لِيَحْمِلُوا الْمِيرَةَ إِلَى هَؤُلَاءِ الْفِرِنْجِ الَّذِينَ عَلَى طَرَابُلُسَ، فَحَمَلُوهَا فِي الْبَحْرِ، فَأَخْرَجَ إِلَيْهَا فَخْرُ الْمُلْكِ بْنُ عَمَّارٍ أُسْطُولًا، فَجَرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute