بِأَمْرِ اللَّهِ يَسْأَلُهُ الصُّلْحَ فَأَرْسَلَ إِلَى أَلْبِ أَرْسِلَانَ فِي ذَلِكَ، فَصَالَحَ الرُّومَ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَرْبَعَةِ آلَافِ ثَوْبٍ أَصْنَافًا، وَثَلَاثِمِائَةِ رَأْسٍ بِغَالًا.
فَشَتَّانَ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ.
وَأَقُولُ شَتَّانَ بَيْنَ حَالِ أُولَئِكَ الْمَرْذُولِينِ الَّذِينَ اسْتَعْجَزَهُمْ، وَبَيْنَ حَالِ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا هَذَا، وَهُوَ سَنَةُ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ مَعَ الْفِرِنْجِ أَيْضًا والتَّتَرِ، وَسَتَرَى ذَلِكَ مَشْرُوحًا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، لِتَعْلَمَ الْفَرْقَ، نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُيَسِّرَ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ قَائِمًا يَقُومُ بِنَصْرِهِمْ، وَأَنْ يَدْفَعَ عَنْهُمْ بِمَنْ أَحَبَّ مِنْ خَلْقِهِ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَرَدَ إِلَى بَغْدَاذَ إِنْسَانٌ مِنَ الْمُلَثَّمِينَ، مُلُوكِ الْغَرْبِ، قَاصِدًا إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ، فَأُكْرِمَ، وَكَانَ مَعَهُ إِنْسَانٌ يُقَالُ لَهُ الْفَقِيهُ، مِنَ الْمُلَثَّمِينَ أَيْضًا، فَوَعَظَهُ الْفَقِيهُ فِي جَامِعِ الْقَصْرِ، وَاجْتَمَعَ لَهُ الْعَالَمُ الْعَظِيمُ، وَكَانَ يَعِظُ وَهُوَ مُتَلَثِّمٌ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ غَيْرُ عَيْنَيْهِ، وَكَانَ هَذَا الْمُلَثَّمُ قَدْ حَضَرَ مَعَ ابْنِ الْأَفْضَلِ، أَمِيرِ الْجُيُوشِ، وَقْعَتَهُ مَعَ الْفِرِنْجِ، وَأَبْلَى بَلَاءً حَسَنًا.
وَكَانَ سَبَبُ مَجِيئِهِ إِلَى بَغْدَاذَ: أَنَّ الْمَغَارِبَةَ يَعْتَقِدُونَ فِي الْعَلَوِيِّينَ، أَصْحَابِ مِصْرَ، الِاعْتِقَادَ الْقَبِيحَ، فَكَانُوا، إِذَا أَرَادُوا الْحَجَّ، يَعْدِلُونَ عَنْ مِصْرَ وَكَانَ أَمِيرُ الْجُيُوشِ بَدْرٌ وَالِدُ الْأَفْضَلِ أَرَادَ إِصْلَاحَهُمْ، فَلَمْ يَمِيلُوا إِلَيْهِ، وَلَا قَارَبُوهُ. فَأَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ، فَلَمَّا وَصَلَ ابْنُهُ الْأَفْضَلُ أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَاسْتَعَانَ بِمَنْ قَارَبَهُ مِنْهُمْ عَلَى حَرْبِ الْفِرِنْجِ، وَكَانَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَنْ قَاتَلَ مَعَهُ، فَلَمَّا خَالَطَ الْمِصْرِيِّينَ خَافَ الْعَوْدَ إِلَى بِلَادِهِ، فَقَدِمَ بَغْدَاذَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى دِمَشْقَ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمِصْرِيِّينَ حَرْبٌ مَعَ الْفِرِنْجِ إِلَّا وَشَهِدَهَا، فَقُتِلَ فِي بَعْضِهَا شَهِيدًا، وَكَانَ شُجَاعًا فَتَّاكًا مِقْدَامًا.
وَفِيهَا، فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ، ظَهْرَ كَوْكَبٌ فِي السَّمَاءِ لَهُ ذُؤَابَةٌ، كَقَوْسِ قُزَحَ، آخِذَةً مِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى وَسَطِ السَّمَاءِ، وَكَانَ يُرَى قَرِيبًا مِنَ الشَّمْسِ قَبْلَ ظُهُورِهِ لَيْلًا، وَبَقِيَ يَظْهَرُ عِدَّةَ لَيَالٍ، ثُمَّ غَابَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute