وَقَالَ لِلَّذِي تَمَنَّى زَوْجَتَهُ: يَا جَاهِلُ! مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا الَّذِي لَا تَصِلُ إِلَيْهِ؟ ثُمَّ أَرْسَلَهُ إِلَيْهَا، فَتَرَكَتْهُ فِي خَيْمَةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تَحْمِلُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ طَعَامًا وَاحِدًا، ثُمَّ أَحْضَرَتْهُ وَقَالَتْ لَهُ: مَا أَكَلْتَ هَذِهِ الْأَيَّامَ؟ قَالَ: طَعَامًا وَاحِدًا، فَقَالَتْ: كُلُّ النِّسَاءِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَأَمَرَتْ لَهُ بِمَالٍ وَكُسْوَةٍ وَأَطْلَقَتْهُ.
ذِكْرُ قَتْلِ فَخْرِ الْمُلْكِ بْنِ نِظَامِ الْمُلْكِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ فَخْرُ الْمُلْكِ أَبُو الْمُظَفَّرُ عَلِيُّ بْنُ نِظَامِ الْمُلْكِ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَكَانَ أَكْبَرَ أَوْلَادِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وِزَارَتَهُ لِلسُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ، فَلَمَّا فَارَقَ وِزَارَتَهُ قَصَدَ نَيْسَابُورَ، وَأَقَامَ عِنْدَ الْمَلِكِ سَنْجَرَ بْنِ مَلِكْشَاهْ، وَوَزَرَ لَهُ، وَأَصْبَحَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ صَائِمًا، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ يَقُولُ: عَجَّلْ إِلَيْنَا، وَلْيَكُنْ إِفْطَارُكَ عِنْدَنَا، وَقَدِ اشْتَغَلَ فِكْرِي بِهِ، وَلَا مَحِيدَ عَنْ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ! وَقَالُوا لَهُ: يَحْمِيكَ اللَّهُ، وَالصَّوَابُ أَنْ لَا تَخْرُجَ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ مِنْ دَارِكَ، فَأَقَامَ يَوْمَهُ يُصَلِّي، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ.
فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ خَرَجَ مِنَ الدَّارِ الَّتِي كَانَ بِهَا يُرِيدُ دَارَ النِّسَاءِ، فَسَمِعَ صِيَاحَ مُتَظَلِّمٍ، شَدِيدَ الْحُرْقَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: ذَهَبَ الْمُسْلِمُونَ، فَلَمْ يَبْقَ مَنْ يَكْشِفُ مَظْلَمَةً، وَلَا يَأْخُذُ بِيَدِ مَلْهُوفٍ! فَأَحْضَرَهُ عِنْدَهُ، رَحْمَةً لَهُ، فَحَضَرَ فَقَالَ: مَا حَالُكَ؟ فَدَفَعَ إِلَيْهِ رُقْعَةً، فَبَيْنَمَا فَخْرُ الْمُلْكِ يَتَأَمَّلُهَا إِذْ ضَرَبَهُ بِسِكِّينٍ فَقَضَى عَلَيْهِ، فَمَاتَ، فَحُمِلَ الْبَاطِنِيُّ إِلَى سَنْجَرَ، فَقَرَّرَهُ، فَأَقَرَّ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ كَذِبًا، وَقَالَ: إِنَّهُمْ وَضَعُونِي عَلَى قَتْلِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يُقْتَلَ بِيَدِهِ وَسِعَايَتِهِ، فَقُتِلَ مَنْ ذَكَرَ، وَكَانَ مَكْذُوبًا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قُتِلَ الْبَاطِنِيُّ بَعْدَهُمْ، وَكَانَ عُمْرُ فَخْرِ الْمُلْكِ سِتًّا وَسِتِّينَ سَنَةً.
ذِكْرُ مُلْكِ صَدَقَةَ بْنِ مَزْيَدٍ تِكْرِيتَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي صَفَرٍ، تَسَلَّمَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدَّوْلَةِ صَدَقَةُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ مَزْيَدٍ قَلْعَةَ تِكْرِيتَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ لَبَنِي مُقْنٍ الْعُقَيْلِيِّينَ، وَكَانَتْ إِلَى آخِرِ سَنَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute