للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَّا مَنْ لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ وَأَسَرَ خَلْقًا كَثِيرًا، فَقَوِيَ طَمَعُ حَمَّادٍ، وَأَرْسَلَ إِلَى صَدَقَةَ يَسْتَنْجِدُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مُقَدَّمَ جَيْشِهِ سَعِيدَ بْنَ حُمَيْدٍ الْعُمَرِيَّ، وَغَيْرَهُ مِنَ الْمُقَدَّمِينَ، وَجَمَعُوا السُّفُنَ لِيُقَاتِلُوا مُهَذِّبَ الدَّوْلَةِ، فَرَأَوْا أَمْرًا مُحْكَمًا، فَلَمْ يُمْكِنْهُمُ الدُّخُولُ إِلَيْهِ.

وَكَانَ حَمَّادٌ بَخِيلًا، وَمُهَذِّبُ الدَّوْلَةِ جَوَادًا، فَأَرْسَلَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ حُمَيْدٍ الْإِقَامَاتِ الْوَافِرَةَ، وَالصِّلَاتِ الْكَثِيرَةَ، وَاسْتَمَالَهُ، فَمَالَ إِلَيْهِ، وَاجْتَمَعَ بِهِ، وَتَقَرَّرَ الْأَمْرُ عَلَى أَنْ أَرْسَلَ مُهَذِّبُ الدَّوْلَةِ ابْنَهُ النَّفِيسَ إِلَى صَدَقَةَ، فَرَضِيَ عَنْهُ، وَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ حَمَّادٍ ابْنِ عَمِّهِمْ، وَعَادُوا إِلَى حَالٍ حَسَنَةٍ مِنَ الِاتِّفَاقِ، وَكَانَ صُلْحُهُمْ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسِمِائَةٍ.

ذِكْرُ قَتَلِ وَزِيرِ السُّلْطَانِ وَوِزَارَةِ أَحْمَدَ بْنِ نِظَامِ الْمُلْكِ

فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ قَبَضَ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ عَلَى وَزِيرِهِ سَعْدِ الْمُلْكِ أَبِي الْمَحَاسِنِ، وَأَخَذَ مَالَهُ، وَصَلَبَهُ عَلَى بَابِ أَصْبَهَانَ، وَصَلَبَ مَعَهُ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ مِنْ أَعْيَانِ أَصْحَابِهِ وَالْمُنْتَمِينَ إِلَيْهِ، أَمَّا الْوَزِيرُ فَنُسِبَ إِلَى خِيَانَةِ السُّلْطَانِ، وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ فَنُسِبُوا إِلَى اعْتِقَادِ الْبَاطِنِيَّةِ، وَكَانَتْ مُدَّةُ وِزَارَتِهِ سَنَتَيْنِ وَتِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَكَانَ فِي ابْتِدَاءِ حَالِهِ يَصْحَبُ تَاجَ الْمُلْكِ أَبَا الْغَنَائِمِ، وَتَعَطَّلَ بَعْدَهُ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ مُؤَيِّدُ الْمُلْكِ بْنُ نِظَامِ الْمُلْكِ، فَجَعَلَهُ عَلَى دِيوَانِ الِاسْتِيفَاءِ، وَخَدَمَ السُّلْطَانَ مُحَمَّدًا لَمَّا حَصَرَهُ أَخُوهُ السُّلْطَانُ بُرْكِيارُقَ بَأَصْبَهَانَ خِدْمَةً حَسَنَةً، وَلَمَّا فَارَقَهَا مُحَمَّدٌ حَفِظَهَا الْحِفْظَ التَّامَّ، وَقَامَ الْمَقَامَ الْعَظِيمَ، فَاسْتَوْزَرَهُ مُحَمَّدٌ، وَوَسَّعَ لَهُ فِي الْإِقْطَاعِ، وَحَكَّمَهُ فِي دَوْلَتِهِ، ثُمَّ نَكَبَهُ، وَهَذَا آخِرُ خِدْمَةِ الْمُلُوكِ.

وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ: أَنْعَمُ النَّاسِ عَيْشًا مَنْ لَهُ مَا يَكْفِيهِ، وَزَوْجَةٌ تُرْضِيهِ، وَلَا يَعْرِفُ أَبْوَابَنَا هَذِهِ الْخَبِيثَةَ فَتُؤْذِيَهُ.

وَلَمَّا قُبِضَ الْوَزِيرُ اسْتَشَارَ السُّلْطَانُ فِي مَنْ يَجْعَلُهُ وَزِيرًا، فَذُكِرَ لَهُ جَمَاعَةٌ، فَقَالَ السُّلْطَانُ: إِنَّ آبَائِي دَرُّوا عَلَى نِظَامِ الْمُلْكِ الْبَرَكَةَ، وَلَهُمْ عَلَيْهِ الْحَقُّ الْكَثِيرُ، وَأَوْلَادُهُ أَغْذِيَاءُ نِعْمَتِنَا، وَلَا مَعْدِلَ عَنْهُمْ. فَأَمَرَ لِأَبِي نَصْرٍ أَحْمَدَ هَذَا بِالْوِزَارَةِ، وَلُقِّبَ أَلْقَابَ أَبِيهِ: قِوَامُ الدِّينِ، نِظَامُ الْمُلْكِ، صَدْرُ الْإِسْلَامِ.

وَكَانَ سَبَبُ قُدُومِهِ إِلَى بَابِ السُّلْطَانِ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى انْقِرَاضَ دَوْلَةِ أَهْلِ بَيْتِهِ لَزِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>