النَّارِ، وَيَتَخَلَّصُوا، فَرَمَاهُمْ بِجُرَبٍ كَانَ قَدْ أَعَدَّهَا، مَمْلُوءَةٍ مِنَ الْعُذْرَةِ، فَلَمَّا سَقَطَتْ عَلَيْهِمُ اشْتَغَلُوا بِهَا وَبِمَا نَالَهُمْ مِنْ سُوءِ الرَّائِحَةِ وَالتَّلْوِيثِ، فَتَمَكَّنَتِ النَّارُ مِنْهُ، فَهَلَكَ كُلُّ مَنْ بِهِ، إِلَّا الْقَلِيلَ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْمُسْلِمُونَ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنَ الْكَلَالِيبِ، ثُمَّ أُخِذَ سِلَالُ الْعِنَبِ الْكِبَارُ، وَتُرِكَ فِيهَا الْحَطَبُ الَّذِي قَدْ سَقَاهُ بِالنِّفْطِ وَالزِّفْتِ، وَالْكِتَّانِ، وَالْكِبْرِيتِ، وَرَمَاهُمْ بِسَبْعِينَ سَلَّةً، وَأَحْرَقَ الْبُرْجَيْنِ الْآخَرَيْنِ.
ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ صُورَ حَفَرُوا سَرَادِيبَ تَحْتَ الْأَرْضِ لِيَسْقُطَ فِيهَا الْفِرِنْجُ إِذَا زَحَفُوا إِلَيْهِمْ، وَلِيَنْخَسِفَ بُرْجٌ إِنْ عَمِلُوهُ وَسَيَّرُوهُ إِلَيْهِمْ، فَاسْتَأْمَنَ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْفِرِنْجِ، وَأَعْلَمُوهُمْ بِمَا عَمِلُوهُ، فَحَذِرُوا مِنْهَا.
وَأَرْسَلَ أَهْلُ الْبَلَدِ إِلَى أَتَابِكَ طُغْتِكِينَ، صَاحِبِ دِمَشْقَ، يَسْتَنْجِدُونَهُ، وَيَطْلُبُونَهُ لِيُسَلِّمُوا الْبَلَدَ إِلَيْهِ، فَسَارَ فِي عَسَاكِرِهِ إِلَى نَوَاحِي بَانْيَاسَ، وَسَيَّرَ إِلَيْهِمْ نَجْدَةً مِائَتَيْ فَارِسٍ، فَدَخَلُوا الْبَلَدَ، فَامْتَنَعَ مَنْ فِيهِ بِهِمْ، وَاشْتَدَّ قِتَالُ الْفِرِنْجِ خَوْفًا مِنِ اتِّصَالِ النَّجَدَاتِ، فَفَنِيَ نُشَّابُ الْأَتْرَاكِ، فَقَاتَلُوا بِالْخَشَبِ، وَفَنِيَ النِّفْطُ، فَظَفِرُوا بِسِرْبٍ تَحْتَ الْأَرْضِ فِيهِ نِفْطٌ لَا يُعْلَمُ مَنْ خَزَّنَهُ.
ثُمَّ إِنَّ عِزَّ الْمُلْكِ، صَاحِبَ صُورَ، أَرْسَلَ الْأَمْوَالَ إِلَى طُغْتِكِينَ لِيُكْثِرَ مِنَ الرِّجَالِ، وَيَقْصِدَهُمْ لِيَمْلِكَ الْبَلَدَ، فَأَرْسَلَ طُغْتِكِينُ طَائِرًا فِيهِ رُقْعَةٌ لِيُعْلِمَهُ وَصُولَ الْمَالِ، وَيَأْمُرَهُ أَنْ يُقِيمَ مَرْكِبًا بِمَكَانٍ ذَكَرَهُ لِتَجِيءَ الرِّجَالُ إِلَيْهِ، فَسَقَطَ الطَّائِرُ عَلَى مَرْكِبِ الْفِرِنْجِ، فَأَخَذَهُ رَجُلَانِ: مُسْلِمٌ وَفِرِنْجِيٌّ، فَقَالَ الْفِرِنْجِيُّ: نُطْلِقُهُ لَعَلَّ فِيهِ فَرَجًا لَهُمْ، فَلَمْ يُمَكِّنْهُ الْمُسْلِمُ، وَحَمَلَهُ إِلَى الْمَلِكِ بَغْدُوِينَ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِ سَيَّرَ مَرْكِبًا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي ذَكَرَهُ طُغْتِكِينُ، وَفِيهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ اسْتَأْمَنُوا إِلَيْهِ مِنْ صُورَ، فَوَصَلَ إِلَيْهِمُ الْعَسْكَرُ، فَكَلَّمُوهُمْ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَلَمْ يُنْكِرُوهُمْ، وَرَكِبُوا مَعَهُمْ، فَأَخَذُوهُمْ أَسْرَى، وَحَمَلُوهُمْ إِلَى الْفِرِنْجِ، فَقَتَلُوهُمْ وَطَمِعُوا فِي أَهْلِ صُورَ، فَكَانَ طُغْتِكِينُ يُغِيرُ عَلَى أَعْمَالِ الْفِرِنْجِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهَا، وَقَصَدَ حِصْنَ الْحَبِيسَ فِي السَّوَادِ، مِنْ أَعْمَالِ دِمَشْقَ، وَهُوَ لِلْفِرِنْجِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute