حَمَاةَ إِلَى قُرْجَانَ سَلَّمَ إِلَيْهِمْ إِيَّازُ بْنُ إِيلْغَازِي، وَكَانَ قَدْ سَارَ إِيلْغَازِي، وَطُغْتِكِينُ، وَشَمْسُ الْخَوَاصِّ، إِلَى أَنْطَاكِيَةَ وَاسْتَجَارُوا بِصَاحِبِهَا رُوجِيلَ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يُسَاعِدَهُمْ عَلَى حِفْظِ مَدِينَةِ حَمَاةَ وَلَمْ يَكُنْ بَلَغَهُمْ فَتْحُهَا.
وَوَصَلَ إِلَيْهِمْ بِأَنْطَاكِيَةَ بَغْدُوِينُ، صَاحِبُ الْقُدْسِ، وَصَاحِبُ طَرَابُلُسَ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ شَيَاطِينِ الْفِرِنْجِ، وَاتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى تَرْكِ اللِّقَاءِ لِكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالُوا إِنَّهُمْ عِنْدَ هُجُومِ الشِّتَاءِ يَتَفَرَّقُونَ، وَاجْتَمَعُوا بِقَلْعَةِ أَفَامِيَةَ، وَأَقَامُوا نَحْوَ شَهْرَيْنِ، فَلَمَّا انْتَصَفَ أَيْلُولُ، وَرَأَوْا عَزْمَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُقَامِ، تَفَرَّقُوا فَعَادَ إِيلْغَازِي إِلَى مَارِدِينَ، وَطُغْتِكِينُ إِلَى دِمَشْقَ، وَالْفِرِنْجُ إِلَى بِلَادِهِمْ.
وَكَانَتْ أَفَامِيَةُ وَكَفَرْطَابُ لِلْفِرِنْجِ، فَقَصَدَ الْمُسْلِمُونَ كَفَرْطَابَ وَحَصَرُوهَا، فَلَمَّا اشْتَدَّ الْحَصْرُ عَلَى الْفِرِنْجِ، وَرَأَوُا الْهَلَاكَ، قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَحْرَقُوا أَمْوَالَهُمْ، وَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ الْبَلَدَ عَنْوَةً وَقَهْرًا، وَأَسَرُوا صَاحِبَهُ، وَقَتَلُوا مَنْ بَقِيَ فِيهِ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَسَارُوا إِلَى قَلْعَةِ أَفَامِيَةَ، فَرَأَوْهَا حَصِينَةً، فَعَادُوا عَنْهَا إِلَى الْمَعَرَّةِ، وَهِيَ لِلْفِرِنْجِ أَيْضًا، وَفَارَقَهُمُ الْأَمِيرُ جُيُوشْ بِكْ إِلَى وَادِي بَزَاعَةَ فَمَلَكَهُ.
وَسَارَتِ الْعَسَاكِرُ عَنِ الْمَعَرَّةِ إِلَى حَلَبَ، وَتَقَدَّمَهُمْ ثِقَلُهُمْ، وَدَوَابُّهُمْ، عَلَى جَارِي الْعَادَةِ، وَالْعَسَاكِرُ فِي أَثَرِهِ مُتَلَاحِقَةٌ، وَهُمْ آمِنُونَ لَا يَظُنُّونَ أَحَدًا يَقْدَمُ عَلَى الْقُرْبِ مِنْهُمْ.
وَكَانَ رُوجِيلُ، صَاحِبُ أَنْطَاكِيَةَ، لَمَّا بَلَغَهُ حَصْرُ كَفَرْطَابَ، سَارَ فِي خَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ وَأَلْفَيْ رَاجِلٍ لِلْمَنْعِ، فَوَصَلَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي ضُرِبَتْ فِيهِ خِيَامُ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى عِلْمٍ بِهَا، فَرَآهَا خَالِيَةً مِنَ الرِّجَالِ الْمُقَاتِلَةِ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَصِلُوا إِلَيْهَا، فَنَهَبَ جَمِيعَ مَا هُنَاكَ، وَقَتَلَ كَثِيرًا مِنَ السُّوقِيَّةِ، وَغِلْمَانِ الْعَسْكَرِ، وَوَصَلَتِ الْعَسَاكِرُ مُتَفَرِّقَةً، فَكَانَ الْفِرِنْجُ يَقْتُلُونَ كُلَّ مَنْ وَصَلَ إِلَيْهِمْ.
وَوَصَلَ الْأَمِيرُ بُرْسُقُ فِي نَحْوِ مِائَةِ فَارِسٍ، فَرَأَى الْحَالَ وَصَعِدَ تَلًّا هُنَاكَ، وَمَعَهُ أَخُوهُ زِنْكِيٌّ، وَأَحَاطَ بِهِمْ مِنَ السُّوقِيَّةِ وَالْغِلْمَانِ، وَاحْتَمَوْا بِهِمْ، وَمَنَعُوا الْأَمِيرَ بُرْسُقَ مِنَ النُّزُولِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَخُوهُ وَمَنْ مَعَهُ بِالنُّزُولِ وَالنَّجَاةِ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ، بَلْ أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَكُونُ فِدَاءَ الْمُسْلِمِينَ، فَغَلَبُوهُ عَلَى رَأْيِهِ، فَنَجَا هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، فَتَبِعَهُمُ الْفِرِنْجُ نَحْوَ فَرْسَخٍ، ثُمَّ عَادُوا وَتَمَّمُوا الْغَنِيمَةَ وَالْقَتْلَ، وَأَحْرَقُوا كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ.
وَتَفَرَّقَ الْعَسْكَرُ، وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ جِهَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute