حَضَرُوا عِنْدَهُ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ وَتَهْنِئَتِهِ، وَقَرَأَ الْقُرَّاءُ، وَأَنْشَدَ الشُّعَرَاءُ، وَانْصَرَفُوا إِلَى الطَّعَامِ، فَقَامَ يَحْيَى مِنْ بَابٍ آخَرَ لِيَحْضُرَ مَعَهُمْ عَلَى الطَّعَامِ، فَلَمْ يَمْشِ غَيْرَ ثَلَاثِ خُطًا حَتَّى وَقَعَ مَيِّتًا، وَكَانَ وَلَدُهُ عَلِيٌّ بِمَدِينَةِ سَفَاقِسَ، فَأُحْضِرَ وَعُقِدَتْ لَهُ الْوِلَايَةُ وَدُفِنَ يَحْيَى بِالْقَصْرِ، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى التُّرْبَةِ بِمُنَسْتِيرَ، وَكَانَ عُمُرُهُ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ ثَمَانِيَ سِنِينَ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَخَلَّفَ ثَلَاثِينَ وَلَدًا، فَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدِيسَ الصَّقَلِّيُّ يَرْثِيهِ وَيُهَنِّئُ ابْنَهُ عَلِيًّا بِالْمُلْكِ:
مَا أُغْمِدَ الْعَضْبُ إِلَّا جُرِّدَ الذَّكَرُ ... وَلَا اخْتَفَى قَمَرٌ حَتَّى بَدَا قَمَرُ
بِمَوْتِ يَحْيَى أُمِيتَ النَّاسُ كُلُّهُمُ ... حَتَّى إِذَا مَا عَلِيٌّ جَاءَهُمْ نُشِرُوا
إِنْ يُبْعَثُوا بِسُرُورٍ مِنْ تَمَلُّكِهِ ... فَمِنْ مَنِّيَةِ يَحْيَى بِالْأَسَى قُبِرُوا
أَوْفَى عَلِيٌّ، فَسِنُّ الْمُلْكِ ضَاحِكَةٌ ... وَعَيْنُهَا مِنْ أَبِيهِ دَمْعُهَا هَمِرُ
شُقَّتْ جُيُوبُ الْمَعَالِي بِالْأَسَى فَبَكَتْ ... فِي كُلِّ أُفْقٍ عَلَيْهِ الْأَنْجُمُ الزُّهُرُ
وَقَلَّ لِابْنِ تَمِيمٍ حُزْنُ مَا دَهَمَا ... فَكُلُّ حُزْنٍ عَظِيمٍ فِيهِ مُحْتَقَرُ
قَامَ الدَّلِيلُ وَيَحْيَى لَا حَيَاةَ لَهُ ... إِنَّ الْمَنِيَّةَ لَا تُبْقِي، وَلَا تَذَرُ
وَكَانَ يَحْيَى عَادِلًا فِي رَعِيَّتِهِ، ضَابِطًا لِأُمُورِ دَوْلَتِهِ، مُدَبِّرًا لِجَمِيعِ أَحْوَالِهِ، رَحِيمًا بِالضُّعَفَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، يُكْثِرُ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِمْ، وَيُقَرِّبُ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ، وَكَانَ عَالِمًا بِالْأَخْبَارِ، وَأَيَّامِ النَّاسِ، وَالطِّبِّ، وَكَانَ حَسَنَ الْوَجْهِ، أَشْهَلَ الْعَيْنِ، إِلَى الطُّولِ مَا هُوَ.
وَلَمَّا اسْتَقَرَّ عَلِيٌّ فِي الْمُلْكِ جَهَّزَ أُسْطُولًا إِلَى جَزِيرَةِ جِرْبَةَ، وَسَبَبَهُ أَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ، وَيَأْخُذُونَ التُّجَّارَ، فَحَصَرَهَا، وَضَيَّقَ عَلَى مَنْ فِيهَا فَدَخَلُوا تَحْتَ طَاعَتِهِ، وَالْتَزَمُوا تَرْكَ الْفَسَادِ، وَضَمِنُوا إِصْلَاحَ الطَّرِيقِ، وَكَفَّ عَنْهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ، وَصَلُحَ أَمْرُ الْبَحْرِ، وَأَمِنَ الْمُسَافِرُونَ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَجَبٍ، قَدِمَ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ بَغْدَاذَ، وَوَصَلَ إِلَيْهِ أَتَابِكُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute