يَخْدَعُنِي. وَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ تُعْطِيَ بَنُو عَبْسٍ حُذَيْفَةَ دِيَاتِ مَنْ قُتِلَ لَهُ، وَوَضَعُوا الرَّهَائِنَ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ يَجْمَعُوا الدِّيَاتِ، وَهِيَ عَشْرٌ، وَكَانَتِ الرَّهَائِنُ ابْنًا لِقَيْسِ بْنِ زُهَيْرٍ، وَابْنًا لِلرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ، فَوَضَعُوا أَحَدَهُمَا عِنْدَ قُطْبَةَ بْنِ سِنَانٍ وَالْآخَرَ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أَعْمَى. فَعَيَّرَ بَعْضُ النَّاسِ حُذَيْفَةَ بِقَبُولِ الدِّيَةِ، فَحَضَرَ هُوَ وَأَخُوهُ حَمَلٌ عِنْدَ قُطْبَةَ بْنِ سِنَانٍ وَالْبِكْرِيِّ وَقَالَا: ادْفَعَا إِلَيْنَا الْغُلَامَيْنِ لِنَكْسُوَهُمَا وَنُسَرِّحَهُمَا إِلَى أَهْلِهِمَا. فَأَمَّا قُطْبَةُ فَدَفَعَ إِلَيْهِمَا الْغُلَامَ الَّذِي عِنْدَهُ، وَهُوَ ابْنُ قَيْسٍ، وَأَمَّا الْبَكْرِيُّ فَامْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِ مَنْ عِنْدَهُ، فَلَمَّا أَخَذَا ابْنَ قَيْسٍ عَادَا فَلَقِيَا فِي الطَّرِيقِ ابْنًا لِعُمَارَةَ بْنِ زِيَادٍ الْعَبْسِيِّ وَابْنَ عَمٍّ لَهُ، فَأَخَذَاهُمَا وَقَتَلَاهُمَا مَعَ ابْنِ قَيْسٍ.
فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ بَنِي عَبْسٍ أَخَذُوا مَا كَانُوا جَمَعُوا مِنَ الدِّيَاتِ، فَحَمَلُوا عَلَيْهِ الرِّجَالَ وَاشْتَرَوُا السِّلَاحَ. ثُمَّ خَرَجَ قَيْسٌ فِي الْجَمَاعَةِ فَلَقُوا ابْنًا لِحُذَيْفَةَ وَمَعَهُ فَوَارِسُ مِنْ ذُبْيَانَ فَقَتَلُوهُمْ. فَجَمَعَ حُذَيْفَةُ وَسَارَ إِلَى عَبْسٍ، وَهُوَ عَلَى مَاءٍ يُقَالُ لَهُ عَرَاعِرُ، فَاقْتَتَلُوا، فَكَانَ الظَّفَرُ لِفَزَارَةَ وَرَجَعَتْ سَالِمَةً.
وَجَدَّ حُذَيْفَةُ فِي الْحَرْبِ وَكَرِهَهَا أَخُوهُ حَمَلٌ وَنَدِمَ عَلَى مَا كَانَ، وَقَالَ لِأَخِيهِ فِي الصُّلْحِ فَلَمْ يُجِبْ إِلَى ذَلِكَ، وَجَمَعَ الْجُمُوعَ مِنْ أَسَدٍ وَذُبْيَانَ وَسَائِرِ بُطُونِ غَطَفَانَ وَسَارَ نَحْوَ بَنِي عَبْسٍ، فَاجْتَمَعَتْ عَبْسٌ وَتَشَاوَرُوا فِي أَمْرِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ قَيْسُ بْنُ زُهَيْرٍ: إِنَّهُ قَدْ جَاءَكُمْ مَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ وَلَيْسَ لِبَنِي بَدْرٍ إِلَّا دِمَاؤُكُمْ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْكُمْ، وَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ فَلَا يُرِيدُونَ غَيْرَ الْأَمْوَالِ وَالْغَنِيمَةِ، وَالرَّأْيُ أَنَّنَا نَتْرُكُ الْأَمْوَالَ بِمَكَانِهَا وَنَتْرُكُ مَعَهَا فَارِسَيْنِ عَلَى دَاحِسٍ وَعَلَى فَرَسٍ آخَرَ جَوَادٍ وَنَرْحَلُ نَحْنُ وَنَكُونُ عَلَى مَرْحَلَةٍ مِنَ الْمَالِ، فَإِذَا جَاءَ الْقَوْمُ إِلَى الْأَمْوَالِ سَارَ إِلَيْنَا الْفَارِسَانِ فَأَعْلَمَانَا وُصُولَهُمْ، فَإِنَّ الْقَوْمَ يَشْتَغِلُونَ بِالنَّهْبِ وَحِيَازَةِ الْأَمْوَالِ، وَإِنْ نَهَاهُمْ ذَوُو الرَّأْيِ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَامَّةَ تُخَالِفُهُمْ وَتَنْتَقِضُ تَعْبِيَتُهُمْ، وَيَشْتَغِلُ كُلُّ إِنْسَانٍ بِحِفْظِ مَا غَنِمَ وَيُعَلِّقُونَ أَسْلِحَتَهُمْ عَلَى ظُهُورِ الْإِبِلِ وَيَأْمَنُونَ. فَنَعُودُ نَحْنُ إِلَيْهِمْ عِنْدَ وُصُولِ الْفَارِسَيْنِ فَنُدْرِكُهُمْ وَهُمْ عَلَى حَالِ تَفَرُّقٍ وَتَشَتُّتٍ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمْ هِمَّةٌ إِلَّا نَفْسَهُ.
فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَجَاءَ حُذَيْفَةُ وَمَنْ مَعَهُ فَاشْتَغَلُوا بِالنَّهْبِ، فَنَهَاهُمْ حُذَيْفَةُ وَغَيْرُهُ فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ، وَكَانُوا عَلَى الْحَالِ الَّذِي وَصَفَ قَيْسٌ. وَعَادَتْ بَنُو عَبْسٍ وَقَدْ تَفَرَّقَتْ أَسَدٌ وَغَيْرُهُمْ، وَبَقِيَ بَنُو فَزَارَةَ فِي آخِرِ النَّاسِ، فَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ مِنْ جَوَانِبِهِمْ فَقُتِلَ مَالِكُ بْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute