فَانْهَزَمَ مُعَاوِيَةُ وَأَهْلُ هَجَرَ، وَتَبِعَتْهُمْ عَبْسٌ فَأَخَذَتْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَقَتَلُوا مِنْهُمْ مَا أَرَادُوا، وَرَجَعُوا سَائِرِينَ فَنَزَلُوا بِمَاءٍ يُقَالُ لَهُ عَرَاعِرُ عَلَيْهِ حَيٌّ مِنْ كَلْبٍ، فَرَكِبُوا لِيُقَاتِلُوا بَنِي عَبْسٍ، فَبَرَزَ الرَّبِيعُ وَطَلَبَ رَئِيسَهُمْ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ، وَاسْمُهُ مَسْعُودُ بْنُ مَصَادٍ. فَاقْتَتَلَا حَتَّى سَقَطَا إِلَى الْأَرْضِ، وَأَرَادَ مَسْعُودٌ قَتْلَ الرَّبِيعِ، فَانْحَسَرَتِ الْبَيْضَةُ عَنْ رَقَبَتِهِ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْسٍ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، فَثَارَ بِهِ الرَّبِيعُ فَقَطَعَ رَأْسَهُ، وَحَمَلَتْ عَبْسٌ عَلَى كَلْبٍ وَالرَّأْسُ عَلَى رُمْحٍ، فَانْهَزَمَتْ كَلْبٌ وَغَنِمَتْ عَبْسٌ أَمْوَالَهُمْ وَذَرَارِيَهُمْ، فَسَارُوا إِلَى الْيَمَامَةِ فَحَالَفُوا أَهْلَهَا مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ وَأَقَامُوا ثَلَاثَ سِنِينَ، فَلَمْ يُحْسِنُوا جِوَارَهُمْ وَضَيَّقُوا عَلَيْهِمْ فَسَارُوا عَنْهُمْ، وَقَدْ تَفَرَّقَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَقُتِلَ مِنْهُمْ وَهَلَكَتْ دَوَابُّهُمْ وَوَتَرَهُمُ الْعَرَبُ، فَرَاسَلَتْهُمْ بَنُو ضَبَّةَ وَعَرَضُوا عَلَيْهِمُ الْمُقَامَ عِنْدَهُمْ لِيَسْتَعِينُوا بِهِمْ عَلَى حَرْبِ تَمِيمٍ، فَفَعَلُوا وَجَاوَرُوهُمْ.
فَلَمَّا انْقَضَى الْأَمْرُ بَيْنَ ضَبَّةَ وَتَمِيمٍ تَغَيَّرَتْ ضَبَّةُ لَعَبْسٍ وَأَرَادُوا اقْتِطَاعَهُمْ، فَحَارَبَتْهُمْ عَبْسٌ فَظَفِرَتْ وَغَنِمَتْ مِنْ أَمْوَالِ ضَبَّةَ، وَسَارَتْ إِلَى بَنِي عَامِرٍ وَحَالَفُوا الْأَحْوَصَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ، فَسُرَّ بِهِمْ لِيَقْوَى بِهِمْ عَلَى حَرْبِ بَنِي تَمِيمٍ لِأَنَّهُ كَانَ بَلَغَهُ أَنَّ لَقِيطَ بْنَ زُرَارَةَ يُرِيدُ غَزْوَ بَنِي عَامِرٍ وَالْأَخْذَ بِثَأْرِ أَخِيهِ مَعْبَدٍ، فَأَقَامَتْ عَبْسٌ عِنْدَ بَنِي عَامِرٍ، فَقَصَدَتْهُمْ تَمِيمٌ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ شِعْبِ جَبَلَةَ، وَسَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
ثُمَّ إِنَّ ذُبْيَانَ غَزَوْا بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَفِيهِمْ بَنُو عَبْسٍ فَاقْتَتَلُوا، فَهُزِمَتْ عَامِرٌ وَأُسِرَ قِرْوَاشُ بْنُ هُنِيٍّ الْعَبْسِيُّ وَلَمْ يُعْرَفْ، فَلَمَّا قَدِمُوا بِهِ الْحَيَّ عَرَفَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ، فَلَمَّا عَرَفُوهُ سَلَّمُوهُ إِلَى حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ رَحَلَتْ عَبْسٌ عَنْ عَامِرٍ وَنَزَلَتْ بِتَيْمِ الرِّبَابِ، فَبَغَتْ تَيْمٌ عَلَيْهِمْ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَتَكَاثَرَتْ عَلَيْهِمْ تَيْمٌ فَقَتَلُوا مَنْ عَبْسٍ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً.
وَرَحَلَتْ عَبْسٌ وَقَدْ مَلَّتِ الْحَرْبَ وَقَلَّتِ الرِّجَالُ وَالْأَمْوَالُ وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي، فَقَالَ لَهُمْ قَيْسٌ: مَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: نَرْجِعُ إِلَى أَخْوَالِنَا مِنْ ذُبْيَانَ فَالْمَوْتُ مَعَهُمْ خَيْرٌ مِنَ الْبَقَاءِ مَعَ غَيْرِهِمْ. فَسَارُوا حَتَّى قَدِمُوا عَلَى الْحَارِثِ بْنِ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرِّيِّ، وَقِيلَ: عَلَى هَرِمِ بْنِ سِنَانِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ لَيْلًا، وَكَانَ عِنْدَ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ. فَلَمَّا عَادَ وَرَآهُمْ رَحَّبَ بِهِمْ وَقَالَ: مَنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: إِخْوَانُكَ بَنُو عَبْسٍ، وَذَكَرُوا حَاجَتَهُمْ. فَقَالَ: نَعَمْ وَكَرَامَةٌ أُعْلِمُ حِصْنَ بْنَ حُذَيْفَةَ. فَعَادَ إِلَيْهِ وَقَالَ: طُرِقْتَ فِي حَاجَةٍ، قَالَ: أَعْطَيْتُهَا. قَالَ: بَنُو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute