وَسَيَّرَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ سَرِيَّةً إِلَى مِكْنَاسَةَ، فَحَصَرُوهَا مُدَّةً، ثُمَّ سَلَّمَهَا إِلَيْهِمْ أَهْلُهَا بِالْأَمَانِ فَوَفَوْا لَهُمْ.
وَسَارَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ مِنْ فَاسَ إِلَى مَدِينَةِ سَلَا فَفَتَحَهَا، وَحَضَرَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ سَبْتَةَ، فَدَخَلُوا فِي طَاعَتِهِ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى بَذْلِ الْأَمَانِ، وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ.
ذِكْرُ مُلْكِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ مَدِينَةَ مُرَّاكِشَ
لَمَّا فَرَغَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ مِنْ فَاسَ، وَتِلْكَ النَّوَاحِي، سَارَ إِلَى مُرَّاكِشَ، وَهِيَ كُرْسِيُّ مَمْلَكَةِ الْمُلَثَّمِينَ، وَهِيَ مِنْ أَكْبَرِ الْمُدُنِ وَأَعْظَمِهَا، وَكَانَ صَاحِبُهَا حِينَئِذٍ إِسْحَاقَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ بْنِ تَاشَفِينَ، وَهُوَ صَبِيٌّ، فَنَازَلَهَا، وَكَانَ نُزُولُهُ عَلَيْهَا سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَضَرَبَ خِيَامَهُ فِي غَرْبِيِّهَا عَلَى جَبَلٍ صَغِيرٍ، وَبَنَى عَلَيْهِ مَدِينَةً لَهُ وَلِعَسْكَرِهِ، وَبَنَى بِهَا جَامِعًا وَبَنَى لَهُ بِنَاءً عَالِيًا يُشْرِفُ مِنْهُ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَيَرَى أَحْوَالَ أَهْلِهَا، وَأَحْوَالَ الْمُقَاتِلِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَاتَلَهَا قِتَالًا كَثِيرًا، وَأَقَامَ عَلَيْهَا أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، فَكَانَ مَنْ بِهَا مِنَ الْمُرَابِطِينَ يَخْرُجُونَ يُقَاتِلُونَهُمْ بِظَاهِرِ الْبَلَدِ، وَاشْتَدَّ الْجُوعُ عَلَى أَهْلِهِ، وَتَعَذَّرَتِ الْأَقْوَاتُ عِنْدَهُمْ.
ثُمَّ زَحَفَ إِلَيْهِمْ يَوْمًا، وَجَعَلَ لَهُمْ كَمِينًا، وَقَالَ لَهُمْ: إِذَا سَمِعْتُمْ صَوْتَ الطَّبْلِ فَاخْرُجُوا، وَجَلَسَ هُوَ بِأَعْلَى الْمِنْظَرَةِ الَّتِي بَنَاهَا يُشَاهِدُ الْقِتَالَ، وَتَقَدَّمَ عَسْكَرُهُ، وَقَاتَلُوا، وَصَبَرُوا، ثُمَّ إِنَّهُمُ انْهَزَمُوا لِأَهْلِ مُرَّاكِشَ لِيَتْبَعُوهُمْ إِلَى الْكَمِينِ الَّذِي لَهُمْ، فَتَبِعَهُمُ الْمُلَثَّمُونَ إِلَى أَنْ وَصَلُوا إِلَى مَدِينَةِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، فَهَدَمُوا أَكْثَرَ سُورِهَا، وَصَاحَتِ الْمَصَامِدَةُ بِعَبْدِ الْمُؤْمِنِ لِيَأْمُرَ بِضَرْبِ الطَّبْلِ لِيَخْرُجَ الْكَمِينُ، فَقَالَ لَهُمُ: اصْبِرُوا حَتَّى يَخْرُجَ كُلُّ طَامِعٍ فِي الْبَلَدِ، فَلَمَّا خَرَجَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ أَمَرَ بِالطَّبْلِ فَضُرِبَ وَخَرَجَ الْكَمِينُ عَلَيْهِمْ، وَرَجَعَ الْمَصَامِدَةُ الْمُنْهَزِمِينَ إِلَى الْمُلَثَّمِينَ، فَقَتَلُوا كَيْفَ شَاءُوا، وَعَادَتِ الْهَزِيمَةُ عَلَى الْمُلَثَّمِينَ، فَمَاتَ فِي زَحْمَةِ الْأَبْوَابِ مَا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ.
وَكَانَ شُيُوخُ الْمُلَثَّمِينَ يُدَبِّرُونَ دَوْلَةَ إِسْحَاقَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ لِصِغَرِ سِنِّهِ، فَاتَّفَقَ أَنَّ إِنْسَانًا مَنْ جُمْلَتِهِمْ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ خَرَجَ إِلَى عَبْدِ الْمُؤْمِنِ مُسْتَأْمِنًا وَأَطْلَعَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute